للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن هؤلاء الكتّاب الإيرانيى الأصل قد أظهروا اهتمامًا خاصًّا بالروائع الأدبية التي وفدت من إيران والهند، وكذلك بالمباديء المختلفة في الفلسفة والدين وأبدوا الميل إلى الاستماع إلى مناقشتها, ولكن هذه الأمور كانت من الأذواق التي فشت في المجتمع البغدادي لهذا العصر ولم تلازمها بالضرورة آراء متزندقة. زد على ذلك أن البرامكة قد هيأوا أنفسهم تماما للأخذ بما جرى عليه عرف البلاط العباسى الذي كانوا يعيشون فيه. لقد كانوا يقدرون كل التقدير الشعراء والكتاب العرب، وأبدوا -شأن كثير جدًّا من الموالى- حبا للظهور بمظهر الكرم مستلهمين التقاليد البدوية. ومع أنهم اتخذوا في كثير من الأحيان موقف التراضى حيال سكان الولايات أو نحو بعض الدول الخاضعة للدولة، إلا أنهم لم يحاولوا فيما يظهر أن يؤثروا المأمون -ابن المرأة الفارسية- على أخيه. وهم فيما يبدو قد خدموا أولًا الخلافة في كفاية وإخلاص مهدئين خواطر الناس في إيران الشرقية، ومخمدين للفتن التي نشبت في الشام بل في إفريقية، محققين إخضاع المنتقضين بما فيهم العلويون، موجهين أداة الحكم في نظام وأمان، كافلين للدولة موارد هامة، ناهضين بالمرافق العامة (مثل قناة القاطول وقناة سيحان)، رافعين للمظالم بالعدل والقسطاس على هدى ما حكمت به الشريعة، معززين القضاء بإنشاء منصب قاضي القضاة. ولا شك أنهم بتصرفهم وسلوكهم قد عجلوا بصبغ البلاد بالصبغة الإيرانية التي بدأت تتضح منذ قيام العصر العباسى، نافثين في الوزارة طابعا لم يَن عن أن يجذب أنظار المقلدين الذين جاءوا بعدهم، على إنه بالرغم من الامتيازات الجديدة التي منحت لهم وهيبتهم الخارقة فإن سلطانهم كان مسألة شخصية إلى حد كبير، شأنها شأن المأساة التي أودت بهذا السلطان، ولا يبدو لنا أنهم سعوا بحال إلى تغيير الوزارة على نسق ساسانى نظرى.

ولم يكن نشاط البرامكة مقصورا على السياسة والحكم فحسب، فهم قد حققوا أيضًا أمورًا هامة في ميدانى الثقافة والفن. ذلك أنهم بلا شك سلكوا مسلك الرعاة للشعراء، يوزعون العطايا