للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فقد ذكر الطبري -إمام المفسرين- "وللبعل في كلام العرب أوجه: يقولون لرب الشيء: هو بعله، يقال: هذا بعل هذه الدار، يعني ربها، ويقولون لزوج المرأة: بعلها. ويقولون لما كان من الغروس والزروع مستغنيا بماء السماء ولم يكن سقيا: هو بعل، وهو العذى".

قال الراغب الأصفهانى في غريب القرآن (ص ٥٤): بعل: البعل هو الذكر من الزوجين، قال الله عزَّ وجلَّ: (وهذا بعلى شيخا)، وجمعه بعولة، نحو فحل وفحولة. قال تعالى: {وبُعُولَتُهن أحقُّ بردهِن}؛ ولما تصور من الرجل الاستعلاء على المرأة فجُعل سائسها والقائم عليها، كما قال تعالى: (الرجالُ قوامون على النساء): - سُمى باسمه كل مُسْتَعْلٍ على غيره. فسمى العرب معبودهم الذي يتقربون به إلى الله بعلا (١) لاعتقادهم ذلك فيه، في نحو قوله تعالى: {أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين}. ويقال أتانا بعل هذه الدابة، أي المستعلى عليها. وقيل للأرض المستعلية على غيرها: بعل، ولفحل النخل: بعل، تشبيها بالبعل من الرجال، ولما عظم حتى يشرب بعروقه: بعل، لاستعلائه: قال صلى الله عليه وسلم، فيما سقى بعلا العشر، ولما كانت وطأة العالى على المستعلى عليه مستثقلة في النفس قيل: أصبح فلان بعلا على أهله، أي ثقيلا لعلوه عليهم. وبنى من لفظ البعل: المباعلة والبعال، كناية عن الجماع، وبعل الرجل يبعل بعولة واستبعل فهو بعل ومستبعل إذا صار بعلا. واستبعل النخل عظم. وتصور من البعل الذي هو النخل قيامه في مكانه فقيل: بعل فلان بأمره: إذا دهش وثبت مكانه ثبوت النخل في مقره، وذلك كقولهم: ما هو إلا شجر، فيمن لا يبرح".

وهذا النص عند الراغب يجمع معاني هذا الحرف، وهو أدق النصوص، لأنه يردها كلها إلى معنى واحد، تفرعت عنه المعاني الأخر، وهو من دلائل عروبة الكلمة، فإنا إذا وجدنا العرب استعملوا كلمة، ثم أكثروا من تصريفها والاشتقاق منها، والانتقال من معانيها إلى أنواع مختلفة باختلاف الأوزان،


(١) يعني أنهم جعلوه اسما نكرة لما يعبدون، كقولهم "صنم" ونحوه فلم يعتبره الراغب علما على صنم بعينه، وهو الصواب.
أحمد محمد شاكر