وانتقلوا بها إلى معان تشبه أن تكون بينها وبين المعنى الأول علاقة-: علمنا أن الكلمة أصيلة عندهم، ومن لغتهم، فإذا وجدناهم خرجوا من هذا إلى تقليب حروفها بالتقديم والتأخير، واستعملوا تقاليب المادة أو أكثرها، بإعادة معنى جديد في كل تغيير منها - كان في ذلك اليقين والجزم، وارتفعت كل شبهة في أنها عربية.
وقد صنع العرب في هذا الحرف كل ذلك، فاشتقوا من مادة "بعل" ما نقلناه عن الراغب وغيره، ثم استعملوا تقاليبها كلها:
قدموا اللام على العين، فقالوا "بَلِع" الشيء بْلَعا، وابتلعه ابتلاعا، وقالوا: رجل "بلع" كثير الأكل، إلى آخر هذه المادة.
ثم قدموا العين على الباء، فقالوا: رجل "عَبْل" إذا كان غليظا، والمصدر "العبالة" و "العبولة"، وهكذا.
ثم أخروا الباء بعد العين واللام، فقالوا:"العلب" وجمعه "عُلوَب" وهو الأثر في الجسد، واشتقوا منه فعلا، وقالوا:"العلبة"، و"استعلب" الجلد: إذا غلظ، وغير ذلك.
ثم أخروا الباء بعد اللام والعين، فقالوا: لَعِب" ومشتقاتها.
ثم قدموا اللام قبل الباء والعين فقالوا: "ذهب به ضَبْعا لَبْعًا" أي باطلا.
فها هي الصور العقلية كلها في تقليب هذه الحروف الثلاثة (ب ع ل) بالتقديم والتأخير، استعملها العرب جميعا، وإذا ذهبنا نبحث فيما يخرج منها بتغيير بعض الحروف بما يقاربها في المخرج كما إذا أبدلنا من الباء فاء مثلًا- وجدنا الصور الست فيها مستعملة كلها:(فعل، فلع، عفل، لفع، لعف، علف).
وكذلك إذا وضعنا بدل العين حاء، وجدنا تقاليب المادة مستعملة كلها:(بحل، بلح، حبل، لبح، لحب، حلب). وكذلك إذا وضعنا الفاء والحاء بدل الباء والعين:(فحل، فلح، حفل، لفح، لحف، حلف).
وهكذا مما لو تتبعناه تفصيلا طال الأمر جدا.
فليس من المعقول بعد هذا أن يكون في كلمة "بعل" آية شبهة من العجمة، والنقول التي فيها أن الكلمة بمعنى