فهي لغة ولده، والعبرانية لغة إسحاق ولغة ولده، والسريانية بلا شك هي كانت لغة إبراهيم - صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم - بنقل الاستفاضة الموجبة لصحة العلم، فالسريانية أصل لهما".
ووجه نقدنا لابن حزم: أن إسحاق بن إبراهيم، فمن البعيد جدا أن تكون له لغة خاصة غير لغة أبيه، وإلا فبماذا كانا يتخاطبان ويتفاهمان؟ وليس من السهل اعتقاد أن إسحاق اخترع لغة أخرى لنفسه بجوار لغته التي نشأ عليها، إنما المعقول أن تكون العبرانية لغة نشات عن السريانية على توالى الأزمان في بني إسرائيل بعد أن هاجر إبراهيم من العراق إلى الشام، ثم تطورت مع تجاور الأمم وتغاير اللهجات، حتى صارت لغة قائمة بنفسها.
وأما الشأن في إسماعيل فشئ آخر: المعقول أيضًا أن لغته كانت لغة أبيه السريانية، ونزح به أبوه إلى مكة فأسكنه بين أمة موجودة -كانت في ذلك الزمان- هي الأمة العربية، وقد كانت لها لغة تتفاهم بها ولابد، ومن الظاهر جدًّا أن تكون هي اللغة العربية، الباقية فيهم إلى اليوم وإلى ما شاء الله.
وليس من المستساغ ادعاء أنه قد كانت لهذه الأمة لغة غير لغتها المعروفة، ثم تنوسيت ودرست، ونشئوا على لغة غيرها، لأنه لم يأت بذلك خبر، ولا قام عليه دليل.
ثم بماذا كان يخاطب إسماعيل هؤلاء الناس الذين نزل بجوارهم؟ أيعقل أن يخترع لغة ثم يفرضها عليهم فرضا، حتى يدعوا لغتهم إليها؟ ! ) ظن أن المعقول المفهوم أن يتعلم هو لغتهم، إذ صار بجوارهم، وواحدا منهم، وكان طفلا رضيعًا، ثم أصهر إليهم، وولد فيهم، وبقى ببلدهم إلى أن مات، ثم كان ولده منهم.
فإن لم تكن العربية أقدم من السريانية، فإنها على الأقل كانت بجوارها معروفة لقوم معروفين، ويحتمل جدا أن تكونا متقاربتين، وأن يكون الخلاف بينهما قليلا كالخلاف بين اللهجات المتعددة في اللغة الواحدة، حتى كان ميسورا لإبراهيم وإسماعيل وهاجر أن يفهموا العرب ويفهموهم. أما أن تكون العربية فرعا من السريانية أو العبرية فلا.