العربية، أو العبرية مع العربية: بدالّ على أن إحداهما أخذت الكلمة من الأخرى، إلا إذا ثبت يقينا أن احدى اللغتين أقدم من الأخرى وأسبق. والسريانية من اللغات القديمة، وكانت لغة إبراهيم النبي - عليه السلام -، ولم يثبت من وجه قاطع أنها أقدم من العربية، حتى يكون ما فيها من المتفق مع العربية أصلا له.
وقد وجدنا بحثا فيه جيدا للحافظ الكبير العلامة ابن حزم في (كتاب الإحكام في أصول الأحكام؛ جـ ١، ص ٣١ - ٣٢) قال:
"إن الذي وقفنا عليه وعلمناه يقينًا أن السريانية والعبرانية والعربية، التي هي لغة مضر وربيعة، لا لغة حمير-: لغة واحدة، تبدلت بتبدل مساكن أهلها، فحدَث فيها جرْس كالذي يحدث من الأندلسى إذا رام نغمة أهل القيروان، ومن القيروانى إذا رام نغمة الأندلسى، ومن الخراساني إذا رام نغمتها. ونحن نجد من سمع لغة أهل فَحص البَلوط، وهي على ليلة واحدة من قرطبة، كاد أن يقول أنها لغة أخرى غير لغة أهل قرطبة. وهكذا في كثير من البلاد، فإنه بمجاورة أهل البلدة بأمة أخرى تتبدل لغتها تبديلا لا يخفى على من تأمله. ونحن نجد العامة قد بدلت الألفاظ في اللغة العربية تبديلا، وهو في البعد من أصل للك الكلمة كلغة أخرى ولا فرق، فنجدهم يقولون في العنب: العينب، وفي السوط: أسْطَوْط، وفي ثلاثةَ دنانير، ثلاثدّا. وإذا تعرب البربرى فأراد أن يقول الشجرة قال: السجرة. وإذا تعرب الجليقى أبدل من العين والحاء هاء، فيقول: مهمد، إذا أراد أن يقول محمد. ومثل هذا كثير. فمن تدبر العربية والعبرانية والسريانية أيقن أن اختلافها إنما هو من نحو ما ذكرناه، من تبديل ألفاظ الناس، على طول الأزمان، واختلاف البلدان، ومجاورة الأمم وأنها لغة واحدة في الأصل".
هذا ما قال ابن حزم، وهو قوى جدا، وواضح معقول، لا تنقضه أوهام الواهمين، ولا أهواء ذوي الأغراض.
ولكن ابن حزم بعد ذلك انتهى إلى نتيجة لا نوافقه عليها، إذ لم يقم عليها دليل صحيح، فإنه قال: وإذ قد تيقنا ذلك فالسريانية أصل للعربية وللعبرانية معًا، والمستفيض أن أول من تكلم بهذه العربية إسماعيل - عليه السلام -،