ومهما يكن من شيء فإن الفرس قد فهموا مدينة السلام أو دار السلام على هذا المعنى، وشاهد ذلك أنهم نقلوه إلى لغتهم فقالوا "بهشت آباذ" أي موضع الجنة، أو الجنة العامرة إذا شئت التدقيق. وهم يستعملون هذه التسمية في الشعر غالبا كما يفعل الأتراك الذين نقلوها عنهم. وتنسب بغداد أحيانا إلى مَنشئها فيقال "المنصورية". ولها اسم آخر يشوبه الإبهام هو "الزَوْراء" ولعله صيغة عربية لكلمة إيرانية قديمة أكسبها خضوعها للصور القياسية الشائعة معنى جديدًا Baghdad: Le Strange) . ص ١١، Babylonien: Streck، جـ ١، ص ٥٠؛ Salmon، تاريخ الخطيب البغدادي، ص ٩٤؛ Die Ab-: P. Schwarz basiden-Residenz Samarra ليبسك ١٩٠٩، ص ٣٨ وما بعدها).
وكثيرًا ما خلط الرحالة الأوربيون في القرون الوسطى بين بغداد وبابل كما خلطوا في بعض الأحيان بينها وبين سلوقية وطيسفون. فقد وردت بغداد في مؤلفاتهم باسم بابل Babel وبابَلونيا Babellonia وغيرهما من الأسماء المشابهة؛ وإطلاق هذه التسمية الأخيرة على بغداد شائع في التفاسير التلمودية لشيوخ العشائر البابلية في العصر العباسى وفي مصنفات اليهود المتأخرين. وكان بترو دلا فاله Pietro della Valle الذي عاش في بغداد بين عامي ١٦١٦ و ١٦١٧ م أول من دحض هذا الخطأ الذي فشا في عهده. وكان الغربيون إلى القرن السابع عشر الميلادي يعرفون بغداد بالصيغة المحرفة بلدخ Baldach أو بلدتشو Baldacco.
ومن المحقق أنه كانت هناك محلة منذ عهد سحيق في المكان الذي أصبح بعدُ مقر الخلافة. فقد وجد كل من رولنسون H. Rawlinson عام ١٨٤٨ م وأوبيرت J. Oppert عام ١٨٥٣ وبونيون وهاربر Pognon- Harper عام ١٨٨٩ م قطعًا من الآجر نقش عليها اسم بختنصر الثاني مأخوذة من محجر لا يزال جزء منه باقيا إلى اليوم على الضفة الغربية لدجلة (١) (H.Rawlinson
(١) لم يبق أي جزء من هذا الأثر ظاهرا، وقد يجوز أن هناك جزءًا صغيرًا منه قد غمرته مياه دجلة.