حرمان بغداد من بلاط الخليفة وعمال الدولة لم يحل بينها وبين التقدم؛ وكانت هذه النقلة تشعر بأنها لحست الحظ موقوته لا يرجى استمرارها طويلا. وكان يحكم بغداد خلال هذه الفترة عمال معظمهم هن أسرة بنى طاهر القوية النفوذ.
وفي هذه الفترة التي تعرف بالعصر السامرائى في تاريخ الخلافة حدث الحصار الثاني لبغداد الذي شغل من عام ٢٥١ هـ (٨٦٥ م) تقريبًا. وأخد استبداد العمال في سامراء يشتد شيئًا فشيئًا، وكان الترك يقتتلون فيما بينهم، ففر المستعين إلى بغداد في القسم الأصغر من جنده، أما القسم الأكبر من الجنود الترك فقد بقى في سامراء وبايعوا المعتز ابن عم المستعين بالخلافة، ولم يجد المستعين فسحة من الوقت يتم فيها السور حول الجانب الشرقي بأسره والجانب الغربي من بغداد، إذ فاجأه المعتز على رأس جيش وبدأ يحاصر الحاضرة القديمة.
وعلى الرغم من الجهود التي بذلها المحاصرون في الدفاع عن أنفسهم خوفًا من عودة الحكم التركى الباطش واستماتتهم في الدفاع، فإن المستعين بضعفه وتردده اضطر إلى التسليم آخر الأمر بشروط مهينة، وتنازل عن كل حق له في الحلافة. وبينما قضى الحصار الأول الذي حدث في عهد الأمين على ادهار الجانب الغربي من بغداد إلى الأبد فإن الحصار الثاني الذي حدث في عهد المستعين أصاب الجانب الشرقي بأضرار جسيمة، وتخربت أهم أحيائه كالرصافة والشماسية والمخرم وأعيد بناء أجزاء منها فقط بعد ذلك (انظر أخبار هذا الحصار الثاني في الطبري، جـ ٣، ص ١٥٥٣ - ١٥٧٨، weil: كتابه المذكور جـ ٢، ص ٣٨٥ وما بعدها، Mueller: كتابه المذكور جـ ١، ص ٥٢٨، Le Strange كتابه المذكور، ص ٣١١ وما بعدها)، وظلت الأمور بعد الحصار على اضطرابها وسادت القلاقل وأعمال الشغب في الأعوام ٢٤٩ هـ (٨٦٣ م) و ٢٥٣ هـ (٨٦٧ م) و ٢٥٥ هـ (٨٦٩ م) بنوع خاص. (Weil: كتابه المذكور، جـ ٢، ص ٣٨١ وما بعدها، ص ٤٠٢ وما بعدها ص ٤١٢).