للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(٨١٣ م) وبموته رفع الحصار وأصبحت بغداد المزدهرة خرائب ورمادًا لأول مرة في تاريخها. فقد دمرت النيران أحياء بأكملها وأتت على سجلات الدولة كلها، ولم ينتعش الجانب الغربي الذي كان أكثر تعرضا للنيران من سواه بل أنه لم يعد إلى ما كان عليه من اتساع. والطبرى هو المصدر الذي ينبغي الرجوع إليه في أخبار الحصار الأول لاستفاضة روايته ولما أورده في وصف المدينة من التفاصيل الدقيقة القيمة، أضف إلى ذلك أن ما ذكره الطبري هو أقدم ما وصل إلينا في هذا الموضوع (الطبري، جـ ٣ ص ٨٦٤ - ٩٢٥؛ Gesch. der Chalifen: Weil ص ١٩٠ وما بعدها؛ Mueller: Der Islam جـ ١، ص ٥٠١ وما بعدها؛ Baghdad: Le Strange , ص ٣٠٣، ٣٠٦، وما بعدها).

وأثار موت الأمين سخط أهل بغداد، وتمكن إبراهيم بن المهدي العباسى بفضل الخلاف بين الناس الذي اتخذ صورة الشغب من أن يستولى على بغداد ويصبح صاحب الأمر فيها ما يقرب من عامين، غير أن خيانة قواده أجبرته على تسليم المدينة وزمام الحكم إلى الخليفة المأمون. وقد ألحق الحصار الذي حدث في عهد الأمين ضررًا جسيما بقصرى الخليفة، وهما قصر الذهب في سرة مدينة المنصور المدورة وقصر الخلد على دجلة، فنقل المأمون مقر الحكم إلى الجانب الشرقي من المدينة، واستولى على قصر البرامكة السابق ذكره وبسط في رقعته. وفي عهد خلفه المعتصم الذي حكم من عام ٢١٨ إلى عام ٢٢٧ هـ (٨٣٣ - ٨٤٢ م) قدر لبغداد أن تنزل عن مركزها الممتاز باعتبارها حاضرة الدولة إلى بليدة ضئيلة الشأن هي سامراء على مسيرة ثلاثة أيام من منبع النهر، وذلك لمدة خمس وخمسين سنة. فتحولت سامراء في طرفة عين إلى مقر فخم للخلافة. والسبب المباشر لنقل مقر الخلافة إلى هذه المدينة عام ٢٢١ هـ (٨٣٦ م) هو أن أهل بغداد أسخطتهم قسوة الجند الخليط من الترك والبربر الذين غدوا في عهد المعتصم جيشا عدته حوالي سبعين ألف مقاتل، لأن الاحتفاظ بمثل هذه الحامية الكبيرة في حاضرة الدولة أمر محفوف بالصعاب، ويلوح أن