للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنه يجدر بنا في هذا المقام أن نقتصر على فذلكة خاصة بتطور التاريخ المحلى لهذه المدينة بمعناه الضيق.

بلغت بغداد أزهى عصورها في القرن الذي أعقب وفاة المنصور، أو بوجه أدق في عهد خلفائه الخمسة من المهدي إلى وفاة المأمون، أي من عام. ١٥٩ إلى ٢١٨ هـ (٧٧٥ - ٨٣٣ م)، إذ كانت مساحة المدينة خمسة أميال مربعة أو ستة في الوقت الذي أرتقى المهدي فيه العرش، ولما نقل هذا الخليفة بلاطه إلى الرصافة، أي الحى القائم على الشاطئ الشرقي لدجلة، اتسع هذا القسم من المدينة سريعا، واستقرت هناك في الوقت نفسه الأسر الغنية وأتباعها من العبيد والموالى الذين يبلغون بضعة آلاف، وشيدت في هذا القسم قصور فخمة أجملها القصر الذي كان مسرحًا للهو والسرور وهو قصر أسرة البرامكة المشهورة ذات الحول والطول الذي انتقل إلى بيت الخلافة بسقوط هذه الأسرة الفجائى، وأصبح بذلك نواة المبانى العظيمة التي كان يتألف منها قصر الخلفاء على الشاطئ الشرقي لدجلة، وفي بداية حكم الرشيد، ولعله أزهى عهود المدينة، أصبح القسم الشرقي ينافس في الاتساع القسم الغربي.

وبعد عامين من وفاة الرشيد اشتجر الخلاف بين ولديه الأمين والمأمون. وحوصرت بغداد لأول مرة في تاريخها ودام هذا الحصار أربعة عشر شهرًا. وحوالى نهاية عام ١٩٦ هـ (٨١٢ م) أطبق جند هرثمة وطاهر، قائدى المأمون، على الأمين في بغداد وعزل هرثمة الجانب الشرقي الذي لم يكن يحميه سوى سور سرعان ها أزاله، بينما عسكر طاهر أمام باب الأنبار فسيطر بذلك على الجانب الغربي، وحدثت مناوشات بين جنود الأخوين المتقاتلين، ودب الشجار بين جنود الحامية والسكان اليائسين، وامتلأ زمن الحصار بالدسائس والغدر على اختلاف أنواعه ورزح الجانب الغربي تحت المجانيق، وتخرب الجزء الأكبر من نصفها الشمالي المعروف بالحربية.

ووجد الخليفة نفسه آخر الأمر منعزلا في قصر الخلد على شاطئ دجلة، وها لبث أن وقع في الأسر وهو يحاول الفرار، وقتل في أوائل عام ١٩٨ هـ