قصرًا آخر على دجلة خارج أسوار المدينة وإلى الشرق منها: هو قصر الخُلْد. ولا يعتبر المنصور مشيد الجانب الغربي من بغداد، أي المدينة التي على الضفة اليمنى لنهر دجلة فحسب، بل إنه يعتبر أيضًا مشيد القسم الشرقي الذي بنى بعد الأول. وفي عام ١٥١ هـ (٧٦٨ م) شيد عدة مبان في شمالي المدينة لولده وولى عهده المهدي، وأهم هذه المبانى قصر الرصافة.
ولم يكن المنصور يقصد بحال أن ينشئ حاضرة الدولة في بغداد بل كان غرضه أول الأمر هو إقامة مدينة على مقربة من الكوفة يعسكر فيها جنوده الخراسانيون، ولذلك قسم الأراضي التي حولها إلى قطاعات وزعها بين أقاربه ومواليه وقواد جيشه، وفعل مثل هذا عندما ابتنى الرصافة. وقد أورد اليعقوبى والخطيب البغدادي بيانًا بهذه الإقطاعات.
وينقسم تاريخ بغداد الذي يبدأ بالمنصور إلى عهدين عظيمين: الأول عهد بنى العباس الذي دام خمسمائة سنة، وكانت فيه بغداد -فيما خلا فترة تبلغ خمسة وخمسين عامًا- قصة دولة إسلامية عظيمة شاسعة الأطراف، وغدت مركز الحياة العقلية وأهم مركز تجارى للشرق الأدنى، وكسفت شمسها حواضر الولايات في العالم الإسلامي بل إنها احتلت أرفع مكان في العالم المتمدين في ذلك العهد بفضل اتساعها وازدهارها وثروتها. أما العهد الثاني فيبدأ بسقوط الخلافة العباسية إلى وقتنا هذا، ولم تكن هذه المدينة في هذا العهد سوى حاضرة ولاية من الولايات، اللهم إلا فترات كانت خلالها المشتى المختار لبعض الإيلخانية. وهكذا كانت حالها إبان الحكم التركى، فقد ظلت مدة طويلة عالية المكانة باعتبارها قصبة أكبر ولايات الترك وأهمها: كانت تعادل مصر أو تأتى بعدها. وتقلصت رقعة ولاية بغداد منذ ذلك الحين، وضعف لذلك سلطانها السياسي وانحصرت أهميتها شيئًا فشيئًا في الناحية التجارية، واستعادت في هذه الناحية الكثير من مجدها القديم وظلت محتفظة به إلى يومنا هذا. والحق إن تاريخ بغداد بأكمله في عهدها الأول هو في الواقع تاريخ بنى العباس، ولذلك