تفصل بعضها عن البعض أراض خربة تمتد إلى ما يعرف الآن بالمعظَّم بما فيه ضريح أبي حنيفة وغيره من أئمة المسلمين. وكانت في هذا المكان مقبرة من أقدم المقابر في بغداد نسبت إلى الخيزران أم الخليفة هارون الرشيد، وفيها قامت أضرحة الخلفاء المتأخرين. وإلى الجنوب من هذه المقبرة نشأت المدينة الشرقية القديمة المعروفة بالرصافة أو عسكر المهدي بما فيها قصره وجامع الرصافة، وهو من أهم المساجد التي شيدت في عهد الخلافة الإسلامية. وكانت تجاورها من الناحيتين الشرقية والجنوبية أحياء الشماسية ودار الروم والمخرم، وابتنى بنو بويه في هذا الحى الأخير دار المملكة، كما أن سلاطين آل سلجوق كانوا يسكنونه كلما زاروا بغداد، وابتنى فيه ملكشاه جامع السلطان الذي سبقت الإشارة إليه، بيد أنه لم يبق لهذا المسجد أثر، مثله في ذلك مثل مسجد الرصافة، مع أن المسجدين بقيا بعد الفتح المغولى. وكانت هذه الأحياء تشغل ما بين قرية المعظم وما يعرف الآن بباب المعظم وبينهما مسيرة نصف ساعة. وكان في المدينة الشرقية الحالية دار الخلافة، وكانت في الأصل جوسق جعفر البرمكى ثم انتقل إلى المأمون قبل اعتلائه الخلافة، ولم ينقل الخلفاء العباسيون مقرهم إليها إلا بعد رجوعهم من سامراء وشيدوا فيها عدة قصور أشهرها التاج. والمعتضد أول من وضع أساس هذه القصور، ولم يتم بناؤها إلا في عهد ولده وخليفته المقتفى، فهو الذي بنى المسجد الجامع الثالث، وإن كان هو الثاني من ناحية الترتيب التاريخي في المدينة الشرقية، وقد عرف بجامع القصر. وكان قصر التاج على ضفاف دجلة تحميه من الفيضان سدود، وإلى جانبه بنى المقتفى أيضًا قبة الحمار. وسبب تسميتها بهذا الاسم هو أن الإنسان يستطيع أن يصل إلى قمتها على ظهر حمار يسير في طريق يدور صعدًا حول البناء. وهذا النمط من أنماط البناء يذكرنا بالنمط الزقرتى القديم وله نظائر في أطلال سامراء، وفي بغداد