تعد مدينة المنصور منشأة جديدة، وما أكثر ما خلط الرحالة الأوربيون في القرون الوسطى بين بغداد وبابل، كما خلطوا في بعض الأحيان بينها وبين سلوقية، وترد في أخبارهم باسم بابل وبابلّونيا إلخ، والتسمية الأخيرة الخاطئة لبغداد شائعة كذلك في التفاسير التلمودية لشيوخ العشائر البابلية (في العصر العباسى)، وفي مصنفات اليهود المتأخرين، وكان يبتروده لا فالة الذي عاش في بغداد (١٦١٦ - ١٦١٧ م) أول من دحض هذا الخطأ الذي فشا في عهده، وكان الناس في الغرب حتى القرن السابع عشر يعرفون بصفة عامة اسم بغداد بالصيغة المحرّفة بلدخ - Bal dack (بَلْدَكو Baldcco) وربما كانت مشتقة من الصيغة الصينية للاسم (انظر Medieval Re-: neider Bretsch searches جـ ١، ص ١٣٨، جـ ٢، ص ١٢٤، رحلات ماركوبولو Travels Morco Polo " طبعة فرامبتون Frampton, ص ٢٩، ١٢٦).
وحول العباسيون أبصارهم إلى الشرق، وأخذوا يبحثون عن عاصمة جديدة ترمز لدولتهم، فانتقل السفاح أول خلفاء بنى العباس من الكوفة إلى الأنبار، وانتقل المنصور إلى الهاشمية بالقرب من الكوفة، بيد أنه سرعان ما أدرك أن الكوفة النزاعة للشغب والمتعصبة للعلويين لها أثر سيئ على جيشه، وفي الوقت نفسه كان من السهل اقتحام الهاشمية كما ثبت من فتنة الراوندية (انظر ياقوت، جـ ١، ص ٦٨٠ - ٦٨١، الطبري، جـ ٣، ص ٢٧١ - ٢٧٢، الفخرى، طبعة القاهرة، ص ١٤٣)، ومن ثم أخذ يبحث عن موقع استراتيجى.
ووقع اختياره على موقع بغداد بعد استقصاء دقيق، لاعتبارات عسكرية واقتصادية ومناخية، فهو يقوم في سهل خصب صالح للزراعة على ضفتى النهر كلتيهما، وعلى طريق خراسان، وعند ملتقى عدة طرق للقوافل، وفيه تقام أسواق شهرية، مما يوفر المبرة للجيش والناس. وكانت هناك شبكة من القنوات تفيد منها الزراعة، ويمكن أن تكون بمثابة تحصينات للمدينة، وهذا الموضع في وسط بلاد الجزيرة، وينعم بجو صحى معتدل، وهو خال من