إفريقية، كان بين يديه في مقره بقرطبة وإشبيلية الروايات الشفوية التي كان يوافيه بها الناس القادمون من إفريقية أو المغرب، وكان بين يديه أيضًا كتب الكتُاب الآخرين الذين تناولوا هذه الأقطار بالحديث. والمصدر العمدة الذي ذكره البكرى عدة مرات في كتابه هو "المسالك والممالك" لمحمد بن يوسف الوراق في جغرافية إفريقية. وهذا الرجل "الوراق" وانظر Brunschvig . R في - Melanges Gaudefroy - Demom bynes، القاهرة سنة ١٩٣٥ - ١٩٤٥، ص ١٥١ - ١٥٢) الذي عاش مدة طويلة في القيروان قبل أن يشخص إلى قرطبة ليستقر فيها على عهد الخليفة الحكم الثاني بناء على دعوته، قد يسر للبكرى الذي أفاد من كتابه (يبدو أنه الآن مفقود) أن يزودنا بمعلومات ترد إلى القرن العاشر الميلادي، وكان البكرى يستطيع أن ينهل منها كما يشاء. زد على ذلك أنه كان بين يدي البكرى وثائق من مخطوطات قرطبة (مثال ذلك فرقة برغواطة المتزندقة على أن عدم إشارته إلى تدخل المرابطين في الأندلس يؤيد الدليل بأن البكرى انتهى من كتابة "المسالك والممالك" سنة ٤٦٠ هـ (١٠٦٨ م) أي قبل وقعة الزلاقة بثمانية عشر عامًا.
أما عن مرجعه فيما يختص بأسبانيا المسيحية وبقية أوربا فيحق لنا أن نقول في الختام بأن أبا عبيد بنقل رواية عن يهودى من طرطوشة هو إبراهيم بن يعقوب الإسرائيلى الذي عاش في أوائل القرن الرابع الهجرى الموافق العاشر الميلادي (نقل عن هذا اليهودى رواية عن العذرى، ذلك أن القزوينى أيضًا يذكر هذا الرواية بطريق غير مباشر)، على أن كتاب هذا اليهودى (ربما كان مكتوبًا بالعبرية ثم ترجم إلى العربية أو اللاتينية؟ ) يظهر أنه فقد.
والأجزاء التي بقيت من كتاب "المسالك" تستأهل حقًّا أن تنشر نشرًا نقديًا كاملًا وتستحق دراسة منهجية، وكذلك فإن دراسة لغة الكاتب لم ينهض بها أحد بعد. والبكرى وغيره من كتاب رسائل الحسبة- مثل ابن عبدون الإشبيلي وابن عبد الرءوف والسقطى المالقى وأصحاب الرسائل في الفلاحة- هو الكاتب الأندلسى الذي تشمل