ترجعان إلى معنى واحد، وإن اختلفت أصلاهما، لأن كل واحد منهما إنما هو الأبانة عن المعنى والإظهار له". على أن اختلاف الأصل اللغوي كان سبب تفريق بينهما، ظل ينمو مع الزمن حتى استقر الإصلاح التعليمى الغالب، على أن الفصاحة توصف بها الكلمة والكلام والمتكلم، وأنها تكون بدون البلاغة، وأن البلاغة يوصف بها الكلام والمتكلم دون الكلمة المفردة، ولا تكون بدون الفصاحة وظلت الكتب المتأخرة تشير إلى إمكان التسوية بين الكلمتين، وإليها أميل الآن، تقليلًا للأقسام، فنقول بلاغة الكلمة وبلاغة الكلام، كما نستطيع أن نقول: بلاغة الألفاظ وبلاغة المعاني، أي جودة كل ذلك.
٢ - علم البلاغة: جاء الإسلام العرب بمعجزة بلاغية هي القرآن، الذي تحداهم أن يأتوا بمثله، فكان إيمان العربي إقرارا بالإعجاز، وتسليما بأنه إن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا. وبتمادى الزمن، ودخول غير العرب في الإسلام احتاج المسلمون إلى أن يتعرفوا إعجاز القرآن، واضطروا إلى بحث ودراسة لذلك. فصارت معرفة البلاغة أمرًا كلاميًا، يقرر حجة الله في عقول المتكلمين، كما يقول عمرو بن عبيد في القرن الثاني الهجرى- البيان والتبيين ١: ٩٠ و ٩١ الطبعة التجارية - ومن هنا اشتغل علماء الكلام بأبحاث بلاغية.
٣ - اعتمدت الحياة على القرآن، فكان مصدر التشريع، وأساس الأخلاق وما إلى ذلك، وفي سبيل استخراج هذا من القرآن، التزم أصحاب الدراسات الدينية أن يبحثوا أسلوب القرآن، وطرق فهمه ومراميه في القول، فكانت لعلماء أصول الفقه مثلًا أبحاث بلاغية تحتل المقدمة اللغوية لعلم الأصول، وهي مقدمة تضخمت مع الوقت حتى صارت مسائلها من أهم ما يبحث الأصوليون، ويشير السكاكى إلى استئثار علم أصول الفقه، بأبحاث علمي المعاني والبيان فيقول - المفتاح ص ١٧٩ طبعة الميمنية-: "بل تصفح معظم أبواب أصول الفقه من أي علم هي؟ ومن يتولاها؟ "