للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبسطت الدولة جناحيها من حدود الصين إلى شاطن الأطلنطى استظل بظلها أخلاط من صنوف البشر، قويت حاجتهم إلى دراسة اللغة العربية لغة الدولة الرسمية، والتفوق في أدبها ليظفروا بولاية أولة، في الكتابة التي كانت في درجة الوزارة، والتي هي ناحية عملية لها أثر جد خطير في الحياة الأدبية العربية وتاريخها. فكانت لبيئة الكتاب دراسات أدبية هامة، وقيل منذ القدم أن الكتاب دهاقين الكلام- العمدة ٢: ٨٤؛ ٨٥ طبعة هندية - وصار عندهم من علم الأدب ما ليس عند غيرهم، حتى قال الجاحظ: "طلبت علم الشعر عند الأصمعى فوجدته لا يحسن إلا غريبه، فرجعت إلى الأخفش فوجدته لا يتقن إلا إعرابه. فعطفت على أبي عبيدة فوجدته لا ينقل إلا ما اتصل بالأخبار، وتعلق بالأيام والأنساب، فلم أظفر بما أردت إلا عند أدباء الكتاب كالحسن بن وهب ومحمد بن عبد الملك الزيات"- العمدة ٢: ٨٤.

وهكذا بدأ بحث البيئة الكتابية في لغة القرآن نفسه مبكرًا، فتحدثنا الرواية أن رجلًا في زى الكتاب بمجلس الفضل ابن الربيع سال أبا عبيدة معمر بن المثنى- ت ٢٠٦ هـ - عن قوله تعالى، "طلعها كأنه رءوس الشياطين" فقال: إنما يقع الوعد والإبعاد بما قد عرف مثله، وهذا لم يُعرف! ! "؛ فاعتقد أبو عبيدة أن يضع كتابًا عن القرآن في مثل هذا وأشباهه، وألف كتابه مجاز القرآن - ابن خلكان: وفيات الأعيان ٢، ١٣٨. ١٣٩ طبعة بولاق.

وقد كان للكتاب بمؤلفاتهم أثر واضح في حياة البلاغة؛ فمن ابن المقفع بأدبيه، إلى قدامة ابن جعفر بنقديه، وابن شبت القرشي، صاحب كتاب معالم الكتابة ومغانم الإصابة، والشهاب الحلبى الكاتب صاحب حسن التوسل إلى صناعة الترسل، وابن الأثير بمثله السائر، والقلقشندى بصبح الأعشى في صناعة الإنشا. هؤلاء وغيرهم قد خدموا دراسة البلاغة العربية خدمات جليلة.

٥ - في هذه العظمة السياسية، وبسطة المال والنعيم، ترقى الفنون جميعًا، وقد كان للفن القولى نصيبه من النهوض واتجه شعراء المولدين إلى