الاختراع والإبداع - ابن رشيق: العمدة ١: ٢٧٥ وما بعدها - وكان ذلك بأن نظر الشعراء ونقاد المتأدبين منهم، إلى محاسن الكلام وأوجه جماله، يلتمسونها في النثر والشعر، ليستكثروا منها في أشعارهم وسموها (البديع)؛ فاحتاج مثل هذا إلى درس بلاغى، استخرجوا به هذه المحاسن، وحاولوا ضبطها، ووضعوا لها الألقاب، وفيه وضع ابن المعتز الشاعر الأمير كتابه (البديع) سنة ٢٧٤ هـ. فقسم هذه الأوجه قسمين: البديع، والمحاسن، وخص باسم البديع خمسة أبواب هي: الاستعارة، والتجنيس، والمطابقة، ورد أعجاز الكلام على ما تقدمها؛ والمذهب الكلامى، وقد نسب تسميته هذا القسم إلى الجاحظ. وذكر- ص ٥٨ - أنه اقتصر بالبديع على هذه الخمسة اختبارًا، وإن لم يبين وجه ذلك، وعرض بعد ذلك لمحاسن الكلام والشعر فقال إنها كثيرة وذكر منها اثنى عشر نوعًا، وما ذكرناه من البديع والمحاسن خليط عدّ بعضه أخيرًا من علم المعاني، كالالتفات والاعتراض وتجاهل العارف؛ وبعضه من علم البيان كالاستعارة، وحسن التشبيه، والتعريض والكناية، وبعضها من البديع الاصطلاحى، وتتابعت تلك الدراسة البلاغية التي بدأها الشعراء والنقاد حتى نمت نموًا عظيمًا نراه في تاريخ البديع، وظلت تشمل مختلف الأبحاث البلاغية، التي توزعها التقسيم الأخير لعلومها.
٦ - وإلى جانب هذا كان من العاملين في الميدان الأدبى، أولئك الرواة الذين وصلوا ماضى العرب بحاضرهم، وحفظوا تراث اللغة والأدب الباقي بعدما اختلط العرب بغيرهم، ففسدت لغتهم، وخسروا شخصيتهم:
نقل هؤلاء الرواة عن البادية، التي أرزت إليها الفصحى، ما استطاعوا العثور به من متن اللغة وأحاديث الأدب. واشتغلوا بتدوين دلك ومدارسته. فكان لهؤلاء النفر من أصحاب اللغة حظ من التحدث في استعمال الألفاظ العربية، وخصائص الأسلوب العربي، وما إلى ذلك من دراسة بلاغية أيضًا، يشير إليها الجاحظ في البيان والتبيين-٣: ٢٤٢، فيقول بعد ما روى بيت الأشهب ابن رميلة:
هم ساعد الدهر الذي يتقى به ... وما خير كف لا تنوء بساعد