قوله: هم ساعد الدهر، إنما هو مثل، وهذا الذي تسميه الرواة البديع (١)" وكما يشير عبد القاهر الجرجانى (في دلائل الإعجاز ص ٣٢٨ طبعة الترقى) إلى ما نجده في كتب اللغة من إدخال ما ليس طريق نقله التشبيه في الاستعارة كما صنع أبو بكر بن دريد في الجمهرة. فإنه ابتدأ بابا فقال (باب الاستعارات) إلخ"، وكالذي نجده متفرقًا في كتب الأمالى من هذا التناول البلاغى لأصحاب اللغة ودراستها. فأنت ترى في وادي الأدب العربي نهيرات تنبع من بيئات مختلفة، من البيئة الدينية: كلامية وأصولية. ومن البيئة الأدبية: بيئة الكتاب وبيئة الشعراء، وبيئة الرواة وأهل اللغة. وتلتقى تلك النهيرات جميعا في نقطة واحدة، هي معرفة طرق إدراك جيد الكلام، وكيف يكون التفريق بين كلام جيد، وآخر ردئ. أو الاقتدار على صنع كلام جيد، قصيدة منظومة أو نثرا مرسلًا، وتلك هي الدراسة البلاغية التي يتبين مؤرخها الدقيق تلك العناصر المختلفة في نشأتها وتدرجها ويتميزها واضحة في أبوابها ومسائلها.
٧ - بمضى الزمن تميزت الدراسات واستقرت واتخذت كل مجموعة من قواعدها اسمًا خاصًّا. ورتبت العلوم مجموعات، فكانت علوم العربية أو العلوم الأدبية أولًا تعد ثمانية- ابن الأنبارى: طبقات الأدباء، ص ١١٧ طبعة مصر سنة ١٢٩٤ هـ - هي: النحو، واللغة، والتصريف، والعروض، والقوافى، وأخبار العرب، وأنسابهم، وثامن هذه العلوم (علم صنعة الشعر) وهو اسم مجموعة الدراسات السابقة التي تعلم معرفة الجيد من القول وصناعته. كذلك سميت الفنون البلاغية قديمًا صنعة الشعر، كما سميت أحيانًا نقد الشعر أو نقد الكلام، ويعد القدماء مما ألف فيها كتاب الصناعتين لأبي هلال، ونقد الشعر
(١) هذا ما يقوله الجاحظ، لكن ابن المعتز بعده بنحو ربع قرن من الزمان يقول- البديع ص ٥٨: فأما العلماء باللغة والشعر القديم فلا يعرفون هذا الاسم "أي البديع، ولا يدرون ما هو". ولعل الشواهد تؤيد قول الجاحظ، كما نرى في إشارة عبد القاهر إلى عمل ابن دريد.