للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا الغرض يحققه المنهج الصالح، والكتاب المنظم، والمعلم الكفء، وإن استلزم تغييرًا في ترتيب مسائل هذه العلوم، أو طريق تناولها وعرضها، فذلك أمر قريب المنال حين تصدق النية في طلبه.

وأما الغرض البعيد من التجديد في علوم الأدب أو علوم العربية، فهو أن تكون هذه الدراسات الأدبية مادة من مواد النهوض الاجتماعى تتصل بمشاعر الأمة، وترضى كرامتها الشخصية وتساير حاجتها الفنية المتجددة. فتكون اللغة في مصر مثلًا لغة الحياة في ألوانها المخللفة، وأداة التفاهم المرضية في البيت والمعمل. والجامعة والمسرح، والسوق والنادى وما إلى ذلك، فلا يعيش الناس بلغة، ويتعلمون لغة أخرى. ولا يفكر الناس بلغة ويدونون أفكارهم بغيرها؛ ولا يتعاملون بلغة، ويشعرون وينثرون ويمللون ويخطبون بغيرها؛ ولا تكون اللغة سببًا في فرض نظام من الطبقات على الأمة بحيث يتسع البعد بين خاصة الأمة وعامتهم في اللغة المتفاهم بها.

ولا يتحقق هذا الغرض إلا بتغيير قد يمس -أو لا بد أن يمس- الأصول والأسس البعيدة ويدخر له العزم والجهد حتى تصير اللغة ناحية من كيان الأمة، وجانبًا من وجودها العملى، ولا تفترق اللغة في حال عنها في أخرى إلا بقدر ما تتطلب الأناقة الفنية والعمل الأدبي.

وهذا المطلب شاق غير يسير في جوانب مختلفة من العلوم العربية؛ إلا أنه أقل مشقة في البلاغة ودرسها؛ لمرونة في فطرتها، وقابلية في منهجها الذي يعتمد على الذوق والوجدان؛ ويصل أبحاثها بالفن والجمال مهما أخفت ذلك اتجاهات خاطئة، وأعمال مؤقتة. ثم إلى هذا كله أمر آخر، يضيق الخلف، ويوفر المشادة بين الواقفين والسائرين، هو أن الأقدمين أنفسهم قد صرحوا بأن البلاغة من العلوم التي لم تنضج دراستها.

وإذا كان الأمر كذلك فإني أرى أن نعمد رأسًا إلى تحقيق الغرض البعيد في تجديد البلاغة العربية تجديدًا يمس الأصول والأسس فيغيرها، وينفى فيها