لا تعطى إلا معنى أدبيًا جزئيًا ووراء ذلك الفقرة المنثورة، والقطعة المنظومة تأتلف من جمل عدة ومعان جزئية مختلفة، ثم وراء ذلك كله العمل الأدبى الكامل، قصيدة أو مقالة أو رسالة أو خطبة، يحتاج ذلك كله إلى النظر البلاغى، ثم اللفظة المفردة لا يكفى في درسها البلاغى هذا القدر اليسير الذي ألموا به.
وعلى هذا نبدأ البحث البلاغى المستوفى من اللفظة المفردة؛ ولا نجده بالجملة، بل نمده إلى الفقرة، والعمل الفني الكامل؛ فنبحث فيها الأسلوب واختلافه، وأوجه تفاوته ومزايا أنواعه المختلفة؛ وننظر النظرة الشاملة الجامعة في الأثر الأدبى كله.
٤ - قصر القدماء البحث البلاغى على الألفاظ من حيث أدائها للمعانى الجزئية بالجملة الواحدة أو الجمل المتصلة في معنى واحد؟ ولم يجاوزوا ذلك، فعلم المعاني: تعرف به أحوال اللفظ العربي من حيث مطابقته لمقتضى الحال؛ وعلم البيان يعرف به إيراد المعنى الواحد بتراكيب مختلفة؛ والمعنى هو تشبيه أو مجاز أو استعارة أو كناية لا غير.
أما المعاني الأدبية، والأغراض الفنية التي هي روح الفن القولى ومظهر عظمة الأديب، وأثر ثقافته وشخصيته، فلم ينظروا فيها.
ولابد أن نفرد المعاني بالبحث المستقل بعد بحث الألفاظ، مفردة وجملا وفقرأ .. فنعلم الدارس كيف يوجد هذه المعاني، وكيف يصححها وكيف يرتبها، ويعرضها؛ وما إلى ذلك.
٥ - وإذا اتسع البحث البلاغى فشمل مع الألفاظ المعاني جزئية وكلية، وشمل مع الجملة اللفظة المفردة، ثم جاوزهما إلى الفقر والقطع الأدبية والأساليب، فقد صار التقسيم القديم للبلاغة إلى المعاني والبيان والبديع لا أساس له ولا غناء فيه؛ ولزم أن يوضع التقسيم على أساس غير الأول: كان نقتصر على كلمة "البلاغة" وصفًا لجمال الكلمة والكلام ونوفر كلمة الفصاحةح ونقسم الدرس إلى بلاغة الألفاظ وبلاغة المعاني، وفي بلاغة الألفاظ نبحث عنها من حيث أن للك الألفاظ أصوات ذات جرس. ثم من حيث هي دوال على المعاني مفهمة لها؛ ونبحث ذلك في المفرد، والجملة والفقرة؛ والقطعة؛ ونقسم المعاني بما يناسبها حتى تنتهي بها إلى دراسة