الرفيعة في ذلك البلاط بفاس. وأقيم ولما يبلغ الواحدة والعشرين من عمره كاتب علامة سلطان تونس، ولكن سرعان ما ترك هذا المنصب عندما شبت الفتن والاضطرابات في هذه العاصمة، ولجأ إلى بسكرة عند ابن مزنى صاحب الزاب. ولما استولى أبو عنان فارس المرينى على تلمسان وجميع البلاد التي تمتد شرقا حتى بجاية، التحق عبد الرحمن بخدمته، وعمل تحت إمرة أحد القواد المرينيين في إحدى الحملات، واستدعاه السلطان إلى فاس عام ٧٥٥ هـ (١٣٥٤ م) تلبية لرجاء علماء هذه المدينة فذهب إليها وأصبح كاتب سر أبي عنان، وواصل دراسته على أفاضل شيوخ عصره، وغضب عليه السلطان عام ٧٥٧ هـ (١٣٥٦ م) وزج به في السجن مرتين، وظل فيه في المرة الثانية حتى وفاة أبي عنان عام ٧٥٩ هـ (١٣٥٨). واستخدمه السلطان الجديد أبو سالم كاتبا لسره عام ٧٦٠ هـ ثم عينه فيما بعد قاضيا للقضاة. وبعد مقتل أبي سالم الفظيع غضب عليه الوزير القبيح الصيت عمر بن عبد الله، ولكنه حصل منه على الإذن بالرحيل إلى غرناطة (٧٦٣ - ٧٦٤ هـ = ١٣٦١ - ١٣٦٢ م) ولحق ببلاط بني الأحمر حيث اتصل بالوزير المعروف ابن الخطيب اتصال ود وصداقة. وبعد مضى عامين فتر ما بينهما من ود، فرحل ابن خلدون إلى بجاية بدعوة أميرها أبي عبد الله الحفصى الذي اتخذه حاجبا، وتولى في نفس الوقت منصب الخطيب، كما تولى منصب التدريس عام ٧٦٦ هـ (١٣٦٤ م). ولما سقطت بجاية في العام التالي في يد أمير قسنطينة، التجأ عبد الرحمن إلى بسكرة، وسرعان ما تراسل مع أبي حمو الثاني أمير للمسان من بني عبد الواد. وبعث إليه -كما حدثنا هو نفسه- أخاه يحيى ليكون حاجبه، وقام هو بدعوة القبائل العربية المختلفة إلى نصرة أبي حمو، كما مكنه من محالفة سلطان تونس أبي إسحاق وولده وخلفه خالد. ثم وفد بنفسه إلى تلمسان، ولكنه سرعان ما تخلى عن أبي حمو الثاني التعس عندما طرده السلطان عبد العزيز المرينى من عاصمة ملكه، وما لبث أن التحق بخدمة هذا السلطان، واستقر ابن خلدون في