للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العباس على "فاس الجديد" عام ٧٧٥ هـ (١٣٧٣ م) وهناك رجب به أبو حمو وأقامه ثانية على ديوان الإنشاء. وسرعان ما استعاد ثقة الأمير، ولكنه أثار بذلك حسد رجال البلاط وعلى الأخص أكبر أبناء أبي حمو وخلفه المنتظر أبي تاشفين الثاني، فاستأجر أبو تاشفين هذا بعض الأشقياء وهاجم معهم يحيى وقتله حين خروجه من القصر ليلاً في رمضان عام ٧٨٠ هـ (١٣٧٨ م) ولما علم أبو حمو أن ابنه كان المحرض على اقتراف هذا الجرم، لم يجد الشجاعة الكافية للاقتصاص من القتلة.

هكذا كانت حياة يحيى السياسية، أقصر من حياة أخيه وأقل خطرا، وَلكنها مع ذلك أتاحت له فرصة كتابة مؤلف غزير المادة في التاريخ هو "بغية الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد"؛ وكثيرا ما اعتمد عليه بروسلار Brosselard وبارجس Barges في كتابة تاريخهما عن تلمسان. ولقد نشر كاتب هذه المادة النص العربي وترجمته الفرنسية بعنوان Hist. des Beni Abd El-Wad. rois de Tlemcen, (من ثلاثة أجزاء في مجلدين، الجزائر، السنوات ١٩٠٤ ,١٩١١, ١٩١٣) وهذا التاريخ المتعلق بسلطنة تلمسان مهم بصفة خاصة في معرفة حكم أبي حمو الثاني، ذلك الحكم الطويل المزدهر من بعض نواحيه، وقد كان صاحب الترجمة كاتب سره وموضع ثقته، فاستطاع بحكم منصبه هذا أن يطلع من غير شك على الوثائق السياسية بل يذكر بعضها كاملا في مصنفه. ومع أن يحيى لم يتناول في كتابه موضوعا متشعبا كموضوع أخيه عبد الرحمن، ولم يظهر سموا في التفكير ولا براعة في النقد مثل ما فعل أخوه في كتابه، إلا أنه بزه في الناحية الأدبية الخالصة، فقد أظهر يحيى في مؤلفه هذا بعض الملكات الأدبية والشعرية، كما كان أسلوبه الرشيق في غالب الأحيان موسيقيا، وكان يعلى كتابته بمقتطفات من أقوال فحول العرب القدماء. ولم يكن كتابه مجرد إلمام بالتاريخ السياسى لسلطنة المغرب الأوسط فحسب، بل أورد فيه كذلك كثيرا من قصائد شعراء البلاد الذين عاصروه،