أجسامنا فى الحياة الأخرى لن تكون عين الأجسام التى لنا فى هذه الحياة، ذلك لأن الجسم الذى يفنى لا يبعث بعينه وإنما يبعث شئ يشبهه. والحياة الأخرى عند ابن رشد ستكون أكثر كمالا من الحياة الدنيا، وعلى هذا فإن أجسامنا فى الحياة الأخرى سوف تكون أكثر كمالا منها فى هذه الحياة. على أن ابن رشد لا يقر للك الأساطير والتصورات التى تصاغ عن الحياة الأخرى.
ولما كان أهل السنة قد هاجموا هذا الفيلسوف أكثر من الفلاسفة الذين تقدموه، فقد حدد تحديدا أدق من هؤلاء الصلة بين الحكمة والشريعة، وبسط مذهبه فى هذه المسألة فى الرسالتين اللتين سبق ذكرهما وهما "فصل المقال" و"الكشف عن مناهج الأدلة".
وأول مبادئه فى هذه الصلة هو أن الحكمة ينبغى ان تتمشى مع الشريعة، وقد أخذ بهذا المبدأ جميع فلاسفة الإسلام. ويمكننا ان نقول إن هناك حقيقتين أو بديهيتين هما الحقيقة الفلسفية والحقيقة الدينية. ويجب أن تتفقا معا. فالفلاسفة أنبياء على
أسلوبهم يتوجهون بتعاليمهم إلى العلماء خاصة. ويجب ألا تتعارض تعاليمهم مع تعاليم الأنبياء الحقيقيين الذين أرسلوا إلى جمهور الناس بنوع خاص. وعلى تعاليم الفلاسفة أن تؤدى الحقيقة الدينية عينها ولكن فى ثوب أكثر كمالا وأقل مادية.
ويجب أن نفرق فى الدين بين المعنى الحرفى والمعنى الذى يحتاج إلى التأويل. فإذا بدا لنا أن فى القرآن نصا يتعارض والنتائج الفلسفية فعلينا أن نعتقد أن هذا النص له معنى آخر يخالف المعنى الحرفى، وعلينا أن نبحث عنه. وواجب العامة أن يتمسكوا بالمعنى الحرفى، أما العلماء فشأنهم التأويل. وعلى العامة من الناس أن يقبلوا القصص والرموز كما ينص عليها الوحى. أما الفلاسفة فلهم الحق فى أن يستخلصوا المعانى العميقة المجردة التى تنطوى عليها تلك النصوص. ويجب على العلماء أن يأخذوا أنفسهم بألا يذيعوا تأويلاتهم فى العامة.