وموافقة الأفعال الخارجية لها. وما أتينا بهذا المثال إلا لنبين أن فلسفة ابن رشد التركيبية فلسفة بسيطة لم تتغلب على المشاكل إلا بالإعراض عنها.
أما المسألة الثانية فهى تحليلية انتقادية تجدها فى شرحه لكتب أرسطو وانتقاده لمن تقدمه من الشارحين ورده على المتكلمين والغزالى وابن سينا. وقد ذكر البارون (كاوا - دو - فو) فى مقاله طريقة ابن رشد الانتقادية ونظن أن هذا القسم الانتقادى هو الصفة الأساسية التى تمتاز بها فلسفة ابن رشد على غيرها. فهو يبين فى انتقاده مراتب الأقاويل فى التصديق والإقناع وقصور أكثرها عن رتبة اليقين والبرهان، ولذلك يذكر فى انتقاده كلام خصومه فيناقشه ويفنده ثم يبين أنه سفسطائى أو خطابى أو جدلى ويعين درجته فى مراتب الجدل: لأن القول الصحيح لا يجوز أن يكون خطابيا ولا جدليا، بل يجب أن يكون برهانيا منطقيا.
وقد ساقته هذه الطريقة الانتقادية إلى مسائل مختلفة منها:
١ - مسألة إثبات الخالق: ذكر ابن رشد فى انتقاد طريقة الأشعرية أنها أنبنت على بيان أن العالم حادث، وانبنى عندهم حدوث العالم على القول بأن الأجسام مركبة من أجزاء لا تتجزأ وأن الجزء الذى لا يتجزأ محدث والأجسام محدثة بحدوثه. ففريق منهم اعتمد على ثلاث مقدمات هى بمنزلة الأصول لما يرومون استنتاجه: الأولى أن الجواهر لا تنفدُ عن الأعراض، والثانية أن الأعراض حادثة، والثالثة أن ما لا ينفدُ عن الحوادث حادث. وقد رد ابن رشد على هذه المقدمات الثلاث وبين أن الطريقة الشرعية التى دعا الشرع فيها إلى الاقرار بوجود الله تنحصر فى أمرين: أحدهما طريق الوقوف على العناية بالإنسان وخلق جميع الموجودات من أجلها، وسمى هذا الدليل بدليل العناية. والطريقة الثانية مبنية على ما يظهر من اختراع جواهر الأشياء مثل اختراع الحياة فى الجماد والإدراكات الحسية والعقل، وسمى هذا الدليل بدليل الاختراع.
٢ - مسألة حدوث الصور: لقد لام ابن رشد ابن سينا لإذعانه لبعض