(أ) ١ - وقد أدى إخضاع الولايات العربية الوسطى للحكم العثمانى إلى حرمان التأريخ العربي من البواعث المحلية التي كان وجوده مرتبطا بها، فانحط انحطاطا يكاد يكون تاما، وكان كل ما ألفه الكتاب من المصنفات التأريخية المحضة في مصر والشام وبلاد العرب حتى نهاية القرن الثالث عشر الهجرى (التاسع عشر الميلادي) مقصورا على عدد قليل من التواريخ العامة الضعيفة المادة (انظر البكرى والدياربكرى والجنابى) وعلى بعض تواريخ محلية أو سير متفاوتة في القيمة. ووصلت الرواية التأريخية العربية القديمة آنئذ إلى خاتمتها على يد كاتبين كبيرين أحدهما نشا بمصر وهو عبد الرحمن الجبرتى المتوفى عام ١٢٣٧ هـ (١٨٢٢ م) والآخر نشأ بلبنان وهو حيدر أحمد الشهابى المتوفى عام ١٢٥١ هـ (١٨٣٥ م). وبقيت هذه الرواية في أواسط بلاد العرب وشرقيها وجنوبيها إلى نهاية القرن وأثمرت في المغرب فقيضت لنا كاتبا حقيقا بأن ينعت بآخر السلف الصالح، ألا وهو الناصرى السلاوى المتوفى عام ١٣١٥ هـ (١٨٩٧ م). وكان مجيئه عقب سلسلة مشابهة من المؤرخين الخاملين لم يقطعها سوى للك الشخصية البارزة شخصية المقرى التلمسانى المتوفى عام ١٠٤١ هـ (١٦٣٢ م) الذي تعتبر حولياته في تأريخ الأندلس وسيرته لابن الخطيب خير ممهد لرواية الأندلس الزاهرة.
ولقد اتجه بعض الكتاب في تركية إلى الرواية العربية التأريخية فألف منجم باشى المتوفى عام ١١١٣ هـ (١٧٠٢ م) مؤلفه القيم في التأريخ العام بالاعتماد عليها، وانتشرت هذه الرواية أيضًا في كثير من الأقاليم القاصية التي كانت أحدث عهدا بالاسلام وبخاصة غربي إفريقية، فكان في هذا بعض ما يعوض انحطاطها في مهادها الأصلية. ومن شواهد انتشار الرواية العربية في غربي إفريقية وجود بعض التواريخ المحلية ومن أهمها تأريخ سنغوى لعبد الرحمن السعدى المتوفى بعد عام ١٠٦٦ هـ (١٦٥٦ م) وتواريخ ماى إدريس صاحب برنو الذي حكم من عام ٩١٠ إلى عام ٩٣٢ هـ (١٥٠٤ - ١٥٢٦ م) وقد ألفها الإمام أحمد. وبقى