وقد ذم الحديث كل هذه الصفقات لما فيها من عامل المجازفة. أما عن الصَرْف وتحريم الربا. وكل هذه الصفقات واردة في مجموعات الحديث القديمة. وقد تضمنت مجموعات الأحاديث المتأخرة طائفة أكبر من هذه الصفقات، وأسهبت في تفصيلها إسهابا كبيرا. ومن قبيل ذلك كتاب "كنز العمال" (انظر Ritter في Isi، جـ ٧، سنة ١٩١٧، ص ٢٨ وما بعدها، حيث قد ترجم طائفة من هذه الأحاديث).
ج- وفي مأثور القرون الثلاثة الأولى أن المعاملة تقتضي من التاجر أن يكون شريفا بادى النية يعامل صاحبه معاملته لأخيه، ، وأن يتورع عن غشه بجميع الوسائل. ولهذا فقد ذم الحديث المعاملة التي تنطوى على أي عامل من عوامل المجازفة أو التي للصدفة فيها أي شأن دفعا للضر أن يلحق بأحد.
وقد وجدت هذه المبادئ الأساسية لآداب التجارة عند المسلمين من يعبر عنها من القدماء في شخص الغزالى (إحياء علوم الدين، القاهرة سنة ١٣٢٦ هـ، جـ ٢، ص ٤٨ وما بعدها) فهو يقول إن على المرء أن يسعى في طلب الرزق والآخرة مقصده.
وتحصيل المعاش مجلب للسعادة في نظره، لأن الدنيا مزرعة للآخرة. ولكنه لا يعتبر أن التجارة أفضل مطلقا من أي وسيلة أخرى من وسائل كسب المعاش. وقد قال:"لكن التجارة إما أن تطلب بها الكفاية أو الثروة والزيادة على الكفاية". وهو يذم الاستكثار من المال لا ليصرف إلى الخيرات والصداقات. وطلب التاجر الزيادة كفاية لنفسه وأولاده أفضل على كل حال من السؤال. وترك الكسب أفضل لأربعة: العابد والصوفى والعالم والمشتغل بمصالح المسلمين. ثم يأخذ الغزالى في بسط آرائه في آداب التجارة. ولا يسمح المقام هنا إلا بإجمال ما قاله.
وقد تجرى المعاملة على وجه صحيح لا ينافى الشرع، ولكنها تشتمل على ما يعيب الآخرين ويضرهم، إذ ليس كل نهى يقتضي فساد العقد. ثم يقسم الغزالى ذلك قسمين: ما يعم ضرره، وما يخص المعامل، ويلحق بالنوع الأول احتكار الطعام وبخاصة الحنطة ثم ترويج الزيف من الدراهم