هذا المذهب- حديث موضوع، وليس من شك أنه وضع في القرن الثالث الهجرى على أكثر تقدير تحبيذا وتدعيما لتفسير جديد للآية السابعة والعشرين من سورة الحديد التي ورد فيها ذكر الرهبانية، وهو تفسير يحرمها ويعيذ الإسلام منها، وكان مفسرو القرون الثلاثة الأولى للهجرة أمثال مجاهد وأبي أمامه الباهلى (انظر Essai sur les origines: Massignon -du Lexique tech nique de la mystique Mu sulmane ص ١٢٣ - ١٣١) والمتصوفة القدامى الذين عرفوا بالحرص (انظر جنيد: دواء الأرواح) قد أجمعوا على تفسير هذه الآية تفسيرا يجيزها ويمتدحها قبل أن يشيع التفسير المعارض الذي غلّبه الزمخشرى على جميع التفاسير.
ويجوز للمتصوفة المسلمين أن يزعموا أنه كان بين الصحابة رجلان يعدان بحق السابقين إلى التصوف هما أبو ذر وحذيفة، ولم يثبت ثبوتا قاطعا أن أويسا وصهيبا كانا على شاكلة هذين الصحابين. وجاء بعد هؤلاء، النساك والزهاد والبكاءون والقصاص، وكانوا أول أمرهم متفرقين لا رابط بينهم، ثم تجمعوا فريقين، شأنهم في ذلك شأن بقية المتفقهين في سائر العلوم الإسلامية، وكان مركز الفريقين على حدود أرض الجزيرة من صحراء العرب أحدهما في البصرة والآخر في الكوفة.
وكان العرب الذين استوطنوا البصرة من بنى تميم، مفطورين على النقد لا يؤمنون إلا بالواقع، كلفوا بالمنطق في النحو والواقع في الشعر والنقد في الحديث وكانوا على مذهب أهل السنة مع جنوح المعتزلة والقَدِرَية، وكان شيوخهم في التصوف الحسن البصري المتوفى عام ١١٠ هـ (٧٢٨ م) ومالك بن دينار وفضل الرقاشى ورباح ابن عمرو القيسى وصالحا المرّى وعبد الواحد ابن زيد المتوفى عام ١٧٧ هـ (٧٩٣ م) صاحب طائفة الزهاد في عبادان.
أما العرب الذين استوطنوا الكوفة فكانا من اليمانية، أصحاب مثل وتقاليد يستهويهم الشواذ في النحو والخيال في الشعر والظاهر في الحديث. وكانوا