للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إني جعلتك في الفؤاد محدثى ... وأبحت جسمى من أراد جلوسى

فالجسم منى للجليس مؤانس ... وحبيب قلبى في الفؤاد أنيسى

وكانت تنشد:

تعصى الإله وأنت تظهر حبه؟ ! ... هذا لعمرى في الفعال بديع

لو كان حبك صادقًا لأطعته ... إن المحب لمن يحب يطيع

ومن الظواهر التي تسترعى النظر في حياة رابعة العدوية ما عرف من دوام حزنها وبكائها، قال الشعرانى: كانت رضي الله عنها كثيرة البكاء والحزن، وكانت إذا سمعت ذكر النار غشى عليها زمانًا، وكان موضع سجودها كهيئة الماء المستنقع من دموعها.

وروى أنها كانت تقول:

"محب الله لا يسكن أنينه وحنينه حتى يسكن، مع محبوبه"، قال المترجمون لها: وقال عندها

يومًا سفيان الثوري: وأحزناه! فقالت: لا تكذب، بل قل: وا قلة حزناه! لو كنت محزونًا لم يتهيأ لك أن تتنفس.

وقيل لرباح (١): هل طالت بك الليالى والأيام؟ قال: بم؟ قيل بالشوق إلى لقاء الله، فسكت، قالت رابعة: لكننى نعم.

وليس هذا الحزن العميق في نفس السيدة رابعة إلا مظهر ما كانت تفيض به نفسها الشاعرة من الحب العميق.

فالسيدة رابعة هي السابقة إلى وضع قواعد الحب والحزن في التصوف الإسلامي. وهي التي تركت في الآثار الباقية نفثات صادقة في التعبير عن محبتها وعن حزنها.

وإن الذي فاض به الأدب الصوفى بعد ذلك من شعر ونثر في هذين البابين لهو نفحة من نفحات السيدة رابعة العدوية إمام العاشقين والمحزونين في الإسلام.

مصطفى عبد الرازق


(١) رباح بن عمرو القيسى المتوفى حوالي سنة ١٨٠ هـ