للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وظهورها منه لتعلقها بالمحبوب المراد، وثبوت إرادة القلب للمحبوب ولزومها لزومًا لا يفارق، ولإعطاء المحب محبوبه لبه وأشرف ما عنده وهو قلبه، ولاجتماع عزماته وإرادته وهمومه على محبوبه فاجتمعت فيها المعاني الخمسة.

هذا ما يقوله ابن قيم الجوزية في معنى المحبة ومنزلتها من التصوف.

وعندما كان التصوف في سذاجته لعهد رابعة لم يكن الحديث في أمر المحبة الصوفية طريقًا معبدًا، وقد تكون رابعة العدوية أول من هتف في رياض الصوفية بنغمات الحب شعرا ونثرًا، وجدير بمولاة آل عتيك التي كانت من فضلاء عصرها وآزكاهم فطرة وأسماهم نفسًا وأشدهم عزوفا عن الدنيا وزخارفها أن يكون انقطاعها إلى الله قد وجه نفسها الشاعرة وجهة حب إلهى فغنت بأناشيده في مثل قولها:

أحبك حبين، حب الهوى ... وحبا لأنك أهل لذاكا

فأما الذي هو حب الهوى ... فشغلى بذكرك عمن سواكا

وأما الذي أنت أهل له ... فكشفك للحجب حتى أراكا

فلا الحمد في ذا, ولا ذاك لي ... ولكن لك الحمد في ذا وذاكا

روى هذا الشعر الغزالى في الإحياء ونقله "ماسينيون" أيضًا، والذي في كتاب الإحياء: (فكشفك لي الحجب حتى أراكا) وفي الإحياء أيضًا: قال الثوري (١) لرابعة: ما حقيقة إيمانك؟ قالت: ما عبدته خوفًا من ناره ولا حبًا لجنته فأكون كالأجير السوء, بل عبدته حبًا له وشوقًا إليه.

وذكر أبو القاسم القشيرى (٢) في الرسالة أنها كانت تقول في مناجاتها: "إلهى، تحرق بالنار قلبا يحبك؟ " فهتف بها مرة هاتف: "ما كنا نفعل هذا، فلا تظنى بنا ظن السوء".

وفي "عوارف المعارف" للسهروردى (٣): قالت رابعة: "كل مطيع مستأنس" وأنشدت:


(١) هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي المتوفى سنة ٦١ هـ
(٢) هو أبو القاسم القشيرى المتوفى سنة ٤٦٥ هـ (١٠٧٤ م).
(٣) السهروردى المتوفى سنة ٥٨٦ هـ (١١٩١ م).