للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استعملت في غير تهيب كلمة الحب في العشق الإلهى معتمدة على ما ورد في القرآن من ذلك، وكان من قبلها يتحرجون من كلمة الحب في ذلك المقام.

ولعل أظهر ما تميزت به رابعة العدوية كلامها في الحب والمحبة كما في كتاب "مدارج السالكين": هي سمة الطائفة وعنوان الطريقة ومعقد النسبة، يعني سمة هذه الطائفة المسافرين إلى ربهم، وهم الذين قعدوا على الحقائق وقعد من سواهم على الرسوم، وعنوان طريقتهم أي دليلها، والمحبة تدل على صدق الطالب وأنه من أهل الطريق، ومعقد النسبة أي النسبة التي بين الرب وبين العبد فإنه لا نسبة بين الله وبين العبد إلا محض العبودية من العبد، والألوهية من الرب، وليس في العبد شيء من الألوهية ولا في الرب شيء من العبودية، ومعقد نسبة العبودية هو المحبة، فالعبودية معقودة بها بحيث متى انحلت المحبة انحلت العبودية.

ولا تحد المحبة بحد أوضح منها، فالحدود لا تزيدها إلا خفاء وجفاء، فحدها وجودها, ولا توصف المحبة بوصف أظهر من المحبة، وإنما يتكلم الناس في أسبابها وموجباتها وعلاماتها وشواهدها وثمراتها وأحكامها.

وهذه المادة تدور في اللغة على خمسة أشياء:

أحدها - الصفاء والبياض، ومنه قولهم لصفاء بياض الأسنان ونضارتها حبب الأسنان.

الثاني- العلو والظهور، ومنه حبب الماء وحبابه وهو ما يعلوه عند المطر الشديد، وحبب الكأس منه.

الثالث- اللزوم والثبات، ومنه حب البعير وأحب إذا برك فلم يقم.

الرابع- اللب، ومنه حبة القلب للبه وداخله ومنه الحبة لواحدة الحبوب، إذ هي أصل الشيء ومادته وقوامه.

الخامس- الحفظ والإمساك، ومنه حب الماء للوعاء الذي يحفظ فيه ويمسكه، وفيه معنى الثبوت أيضًا.

ولا ريب أن هذه الخمسة من لوازم المحبة، فإنها صفاء المودة، وهيجان إرادات القلب للمحبوب، وعلوها