للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

روى الشعرانى: "أنها كانت ترد ما أعطاه الناس لها وتقول: مالى حاجة بالدنيا".

وذكر صاحب مرآة الحنان وابن خلكان عن ابن الجوزي في كتابه "صفوة الصفوة" بإسناد له متصل إلى عبدة بنت أبي شوال، وكانت من خيار إماء الله وكانت تخدم رابعة قالت: كانت رابعة تصلى الليل كله، فإذا طلع الفجر، هجعت في مصلاها هجعة خفيفة حتى يسفر الفجر فكنت أسمعها تقول إذا وثبت من مرقدها ذلك وهي فزعة: يا نفس كم تنامين؟ وإلى كم تنامين؟ يوشك أن تنامى نومة لا تقومين منها إلا لصرخة يوم النشور. وكان هذا دأبُها دهرها حتى ماتت.

ولما حضرتها الوفاة ودعتنى وقالت: يا عبدة لا تؤذنى بموتى أحدًا وكفنينى في جبتى هذه؛ وهي جبة من شعر كانت تقوم فيها إذا هدأت العيون.

قالت: فكفنتها تلك الجبة وفي خمار صوف كانت تلبسه، ثم رأيتها بعد ذلك بسنة أو نحوها في منامى عليها حلة استبراق وخمار من سندس أخضر لم أر قط شيئًا أحسن منه. فقلت: يا رابعة ما فعلت بالحلة التي كفّنّاك فيها وخمار الصوف؟ قالت: إنه والله نزع عنى وأبدلت به ما ترينه على، فطويت أكفانى وختم عليها ورفعت في عليين ليكمل لي بها ثوابها يوم القيامة، فقلت لها: ألهذا كنت تعملين أيام الدنيا؟ فقالت: وما هذا عند ما رأيت من كرامة الله تعالى لأوليائه؟ .. قلت: فمرينى بأمر أتقرب به إلى الله عزَّ وجلَّ، قالت: عليك بكثرة ذكره، يوشك أن تغتبطى بذلك في قبرك.

ويدل ما ذكرنا على أنها كانت تلبس الصوف وما إليه من ثياب الشعر، وأنها كانت كثيرة العبادة منصرفة عن الدنيا.

أما اهتمامها بروح العبادة وما يحدث في النفس من آثارها فيدل عليه كثير مما روى من أقوالها.

كانت تقول: استغفارنا يحتاج إلى استغفار. وكانت تقول: ما ظهر من أعمالى لا أعده شيئًا. ومن وصاياها: اكتموا حسناتكم كما تكتمون سيئاتكم.

ويقول ما سينيون في كتابه في أصول اصطلاحات الصوفية: إنها