للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي مجموع الأستاذ "ماسينيون" وفي غيره: "نظرت رابعة إلى رباح وهو يقبل صبيًّا من أهله ويضمه إليه فقالت: أتحبه؟ قال: نعم، قالت: ما كنت أحسب أن في قلبك موضعًا فارغًا لمحبة غيره تبارك اسمه، قال: فصرخ رباح وسقط مغشيا عليه: ثم أفاق وهو يمسح العرق عن وجهه ويقول: رحمة منه تعالى بكم ألقاها في قلوب العباد للأطفال".

وليس من شأن زوجة أو والدة مهما بلغ بها التصوف أن تنكر الحنو على الأطفال.

عاشت رابعة العدوية في القرن الثاني من الهجرة وماتت في أخريات هذا القرن، كما يرجحه أكثر من كتبوا سيرتها.

ويقول ابن خلكان عنها: "كانت من أعيان عصرها وأخبارها في الصلاح مشهورة".

ويقول عنها صاحب كتاب "مرآة الحنان وعبرة اليقظان" الإمام أبو محمد عبد الله بن أسعد اليافعى المتوفى سنة ٧٦٨ هـ: "السيدة الولية ذات المقامات العلية والأحوال السنية".

ويقول عنها الأستاذ ماسينيون وعن رابعة (١) القيسية ما تعريبه: "هاتان الزاهدتان -وكلتاهما من أهل المذهب البصري- كان تحمسهما لحياة الزهد مؤديًا إلى معالجة أحوال صوفية مختلفة وإلى البحث في فروض دقيقة في العمليات والعقائد، ورابعة تعتبر عند الباحثين في أمور الولاية والأولياء أعظم ولية".

وعندى أن من التعسف أن ينسب إلى رابعة العدوية وصاحبتها التصدى لمعالجة دقائق المسائل الفقهية والكلامية والصوفية.

ولقد كان العصر الثاني الهجرى عصر نشأة التصوف وعصر بداية تطوره الأول، إذ نشأ لفظ "الصوفى" عبارة عن العابد الزاهد اللابس للصوف ثم صار يدل مع ذلك على العناية بحال القلوب إلى جانب التمسك بالعبادات الظاهرة. ونجد في تاريخ رابعة العدوية ما يدل على حرصها على التحقق بهذه المعاني، فقد كانت تلبس الصوف. وكانت تستكثر من العبادة، وكانت من أزهد الناس في الدنيا.


(١) المتوفاة حوالي ١٩٥ هـ (١٧٠ م).