للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يشير إلى ما ساقه الراغب الأصفهانى من معاني التأويل، مع أنَّه أصل فكرته ولبها.

ب - نشأته:

يرى ابن خلدون أول كلامه عن التفسير في المقدمة، "أن القرآن أنزل بلغة العرب، وعلى أساليب بلاغتهم، فكانوا كلهم يفهمونه، ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه". القول بأنهم كلهم يفهمونه فيه تعميم واسع، لم يطمئن إليه الأقدمون أنفسهم، فهذا ابن قتيبة، قبل ابن خلدون ببضعة من القرون، يقول في رسالته المسائل والأجوية (ص ٨) "إن العرب لا تستوى في المعرفة بجميع ما في القرآن، من الغريب والمتشابه، بل إن بعضها يفضل في ذلك على بعض". وأحسب ابن خلدون قد شعر بذلك فيما أورده بعد عبارته السابقة بأسطر، فذكر أن في القرآن نواحى للحاجة إلى البيان، وقال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبين المجمل ويميز الناسخ من المنسوخ ويعرفه أصحابه، فعرفوه، وعرفوا سبب نزول الآيات ومقتضى الحال منها منقولا عنه". وتلك الأمور وغيرها من مواضع الحاجة إلى الإبانة، قد أحوجت - منذ أول العهد الإسلامي- إلى بيان القرآن تفسيره.

ولعل الروعة الدينية لهذا العهد" والمستوى العقلى لأهله؛ وتحدد حاجات حياتهم العملية؛ ثم شعورهم - مع هذا - بأن التفسير شهادة على الله بأنه عنى باللفظ، كل أولئك جعلهم لا يقولون في تفسير القرآن إلا التوفيق الَّذي نقل إليهم، وروى صاحب الرسالة عليه السلام؛ فكان أول ما ظهر من التفسير؛ تفسير الرواية، أو التفسير الأثرى. وكان رجال الحديث والرواية هم أصحاب الشأن الأول في هذا؛ فرأينا أصحاب مبادئ العلوم، حين ينسبون - على عادتهم - وضع كل علم لشخص بعينه، يعدون واضع التفسير - بمعنى جامعة لا مدونة - الإمام مالك بن أنس (١) الأصبحى إمام دار الهجرة.

وهكذا تتصل نشأة التفسير، بتاريخ تدوين الحديث؛ وقد كان الإمام مالك رضي الله عنه، من قدماء المدونين في الحديث؛ ولو أن كتابه "الموطأ" لا يشتمل -فيما رأيت - على الكثير من


(١) المبادئ النصرية، ص ٢٦.