عندنا عنه صورة خاصة، فما يحق لنا - مع هذا - أن نقول إننا نفسر هذا القرآن أو نمهد لفهمه فهمًا أدبيًا، يهيئ للانتفاع به في نواح أخرى، وما دمنا نذكر الحجر، والأحقاف، والأيكة، ومدين، ومواطن ثمود ومنازل عاد، ونحن لا نعرف عن هذه الأماكن إلا تلك الإشارات الشاردة، فما ينبغي أن نقول إننا فهمنا وصف القرآن لها ولأهلها، أو إننا أدركنا مراد القرآن من الحديث عنها وعنهم، ثم لن تكون العبرة بهذا الحديث جلية ولا الحكمة ولا الهداية المرجوة مفيدة مؤثرة! !
ولعله ليس بالكثير مطلقًا أن نطلب مثل تلك الدراسات المفصلة لبيئة القرآن الَّذي هو أحدث الكتب السماوية عهدًا، ولغتة التي بها نزل. لا تزال لغة حية تتكلمها مئات الملايين، وأدبها هو أدب غير واحدة من الأمم، تدعى لنفسها حق الحياة؛ ثم هي أصل كبير للهجات ولغات تقوم دراستها الصحيحة على دراسة هذه العربية ... ليس بالكثير في شيء أن نطلب هذه الدراسة لبيئة القرآن وهذه حالته؛ لأن الكتب الدينية الأخرى أقدم من القرآن بالقرون المتطاولة وبيئاتها قد عفت معالمها، ولغاتها قد تخلت عنها إذ خرجت من الحياة؛ ولكنا نجد ما في هذه الكتب الدينية جميعا من حي وجماد، وحادثة، وعلم، قد أفرد بالدراسة ووضعت له الكتب المطولة والمعاجم المستوفاة حتَّى ما يفوت شيء منها من يبتغى معرفته، وهذا كله إلى جانب الدراسات التاريخية والأدبية والدينية، والقانونية، والاجتماعية العميقة والمقارنة التي أصابتها تلك الكتب. ولا أتحدث عن الترجمات والنشرات، فتلك نواح أخرى ليست الآن موضع حديثنا، ولكن بها تعظم المأثمة في هذا التقصير الدراسى لكتاب هو أجل وأقدم، وأوثق ما عرفت العربية من آثارها الأدبية!
تلك إلمامه بما حول القرآن من دراسة، وهي في جملتها ترجع: إما إلى تحقيق النص وضبطه وبيان تاريخ حياته ... وإما إلى التعريف بالبيئة التي فيها ظهر، وعنها تحدث، وبين مغانيها ومعانيها تقلب ... وبعد استيفاء ذلك يكون التقدم إلى:
دراسة القرآن نفسه:
وهي تبدأ بالنظر في المفردات، والمتأدب يجب أن يقدر عند ذلك، تدرج