مهد السبيل إلى القول بالاعجاز النفسى للقرآن، كما كشف عن وجه الحاجة إلى تفسير نفسانى للقرآن يقوم على الإحاطة المستطاعة، بما عرف العلم من أسرار حركات النفس البشرية في الميادين التي تناولتها دعاوة القرآن الدينية، وجدله الاعتقادى، ورياضته للوجدانات والقلوب، واستلاله لقديم ما اطمانت إليه، وتوارثته عن الأسلاف والأجيال، وتزيينها بما دعا إليه من إيمان، ينقض مبرم هذا القديم، ويهدم أصوله .. وكيف تلطف القرآن لذلك كله، وماذا استخدم من حقائق نفسية، في هذه المطالب الوجدانية، والمرامى القلبية، وماذا أجدت رعاية ذلك كله، في إنجاح الدعوة، واعلاء الكلمة. فالتفسير النفسى، يقوم على أساس وطيد من صلة الفن القولى بالنفس الإنسانية، وأن الفنون على اختلافها - ومن بينها الأدب - ليست إلا ترجمة لما تجده النفس ... وقد ألممنا بذلك في مكانه من الدراسة البلاغية الفنية، ولا نقول الآن أكثر من أن اللمحة النفسية في المعنى القرآنى، ربما تكون أحسم لخلاف بعيد الغور، كثير الشعب بين المفسرين، قد تأثلوا له البراهين النظرية والأقيسة المنطقية، وتلاقوا فيه بصنوف الأعاريب، ومعقد الصناعة النحوية البعيدة عن روح الفن، أو بالمحاولات البيانية الجافة، إلى النظرات السوفسطائية المسفة؛ وانظر على سبيل المثال تفسير الآيات ١٩٣ - ١٩٥ من سورة الشعراء في الفخر الرازي ٦: ٥٤١ - ٥٤٣ بولاق - وقابلة بتفسير الزمخشرى لهذه الآيات - كشاف ٢: ١٣٢ ط بولاق - ترى الفرق بين الصنيعين، وكيف كانت نظرة الزمخشرى النفسية فيصلا حاسما في الموضع ... فالملاحظة النفسية حين تعلل نسج الآية وصياغتها، وتعرف بجو الآية وعالمها، ترفع المعنى الَّذي يفهم منها إلى أُفق باهر السناء. وبدون هذه الملاحظة يرتد المعنى ضئيلًا ساذجًا، لا تكاد النفس تطمئن إليه، ولا هو خليق بأن يكون من مقاصد القرآن.
والحديث عن التفسير النفسى يذكرنا بما عرض له الأستاذ الإمام -