والاستتار سمة مألوفة في سير الشيعة، وقد خبرنا أيضًا أن الإمام يخالف الشرع فيشرب الخمر مثلًا إذا أُكره عليه، وهم لا يجوزون له ذلك في جميع الأحوال. على أن الشيعة يؤمنون برسالة محمد [صلى الله عليه وسلم]، ويقولون كما يقول اهل السنة بأن النبي لا يصطنع التقية في أمر رسالته، لأنه لو فعل هذا لارتاب المؤمنون في كلام الله. وقد استتبع هذين المثلين المتقابلين هي الإمامة أننا وجدنا في السنن الأخلاقية للعامة من أتقياء الشيعة قول على:"علامة الإيمان إيثارك الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك" جنبًا إلى جنب مع تفسير الآية ١٣ من سورة الحجرات ٥ "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" بأكثركم تقية. ويقول الشيعة أيضًا:"الكتمان جهادنا" ولكن ينبغي ألا يغيب عن الذهن عند قراءة أبواب الجهاد أنه جهاد أصحاب المذاهب الأخرى من المسلمين أولًا وقبل كل شيء. وكذلك لا يفوتنا أن تقية الشيعة ليست غاية يقصد إليها المرء مختارًا (الخوانساري: روضات الجنات، طهران سنة ١٣٠٦ هـ، ج ٤، ص ٦٦ وما بعدها) وإنما يجب عليه تجنب الاستشهاد الَّذي لا داعى له ولا منفعة فيه، وأن يبقى على حياته لخير العقيدة ومصلحة المسلمين.
ثم أن التقية تقوم على النية، ومن ثم نجدهم دائمًا يشيرون إلى النية في هذا المقام. والشهادة بوصفها من الفرائض لا تقوم بصحة الجهر بها، وإنما تقوم بالنية ومن هنا لا يحاسب المسلم إلا على نيته إذا أكره على الكفر بلسانه أو التعبد مع الكفار. ولا يمكن أن تمس التقية إلا حق الله. فهو يعاقب المكرِه ولا ينزل بالمكرَه إلا عقابًا رحيمًا في بعض الأحوال. على أن الحيل التي تصطنع في هذا المقام وبخاصة في الأيمان المعلقة يهيئ للمرء أسباب الإضرار بالناس.
ويكتنف التقية شرور خلقية لا يستهان بها، على أننا نجد للتقية نظائر في الأديان الأخرى وعند الصوفية أنفسهم. أما المسألة الخلقية وهي: هل هذا الإكراه على الكذب يعد