رسول الله وقتل الآخر دون ذلك. وزعموا أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] قال: "أما هذا المقتول فقد مضى على صدقه ويقينه وأخذ بفضله فهنيئًا له، وأما الآخر فقد رخصه الله تعالى فلا تبعة عليه".
وللتقية شأن خاص عند الشيعة، وهي في الحقيقة صفتهم المميزة، إلا أن هذا القول لا يطابق الواقع دائمًا كما يستفاد من ردود نصير الدين الطوسى في "تلخيص المحصل" على الرازي (راجع ذيل كتاب الرازي "محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين" القاهرة سنة ١٣٢٣ هـ، ص ١٨٢, تعليق ١). وقد كتب على الشيعة خاصة أن يكونوا فئة قليلة مضطهدة تجاهر مضطهديها بالعداء أحيانا فلا تخلو فعالها من بطولة، وآتاها هذا المصير ما لم يوات الخوارج من الأسباب والأمثلة على الغلو في التقية حينا والاشتداد في إنكارها حينًا آخر، وحتى الاسماعيلية - الذين لا يشق لهم غبار في اخفاء عقائدهم - قد تحدوا أئمتهم فقالوا:"ليس إماما من قعد عن السعي إلى حقه وتحت إمرته أربعون رجلًا"(١). أما الزيدية فيقولون إنه لا يحل الإمام من التقية إلا إذا كان أعوانه في مكل عدد أهل بدر. وقد نقل أهل السنة من كتب الشيعة أنفسهم أقوالًا آخذهم عليها جمهور السنيين وجادلوهم فيها، ذلك أنهم ذكروا في هذه الكتب أنَّه لا تحل لهم التقية بوصفهم أنصار الشهداء المجاهدين، في حين أن الاثنى عشرية خاصة يظهرون الأئمة بمظهر القادة: يضربون الأمثلة للناس فيدفعونهم إلى الإقدام، ويتمثلون في الوقت نفسه بموقف على من الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه وبغيبة المهدي، ويزعمون أن ذلك هو التقية المثلى. والإيمان يكون بالقلب واللسان واليد. وهم يقلبون هذه المسألة على وجوهها ويفصلونها تفصيلًا تتجلى فيه القدرة الفائقة على الجدل، فيزنون المكاره التي تصيب المؤمنين والبلاء الَّذي يتوقعونه، ومتى يجوز لهم فعل ما يرضى عنه الله وترك ما يغضبه. والإيمان بالقلب واجب مطلق. فلو غلب على ظن المؤمن أو أيقن بتوجه الضرر إليه أو إلى ماله أو إلى أحد من المسلمين سقط وجوب الإنكار باليد أو باللسان.
(١) لم يشر كاتب المادة إلى المصدر الذي استقي منه هذه العبارة "وقد بحثنا عنها في مظانها التي بين أيدينا فلم نهتد إليها.