للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حملوا الصفات على مقتضى الحس، وأثبتوا لله صورة ووجها زائدا على الذات .. ! وقد حكى عنهم عضد الدين الأيجى في هذه الناحية ما تأنف الآذان من سماعه (١).

٢ - على النقيض من رأى هؤلاء الغلاة في التمسك بظاهر ما تشابه من الآيات والأحاديث فصاروا إلى التشبيه والتجسيم، نجد المعتزلة الذين غلوا في فهم وحدة الله وتنزيهه فصاروا إلى التعطيل بنفى كل الصفات.

رأس هذه الفرقة هو واصل بن عطاء (٨٠ - ١٣١ هـ) حتى إن بعض المؤلفين يلقبها أحيانا بالواصلية (٢). كان واصل من تلاميذ الحسن البصري، إمام أهل السنة في وقته؛ وفي يوم ما سئل البصري عن رأيه في جماعة يكفرون أصحاب الكبائر وآخرين يرجئون الحكم عليهم، فتفكر الحسن قليلا، وقبل أن يجيب قال واصل: "أنا لا أقول إن صاحب الكبيرة مؤمن مطلق ولا كافر مطلق، بل هو في منزلة بين المنزلتين: لامؤمن ولا كافر" ثم قام واعتزل إلى أسطوانة من أسطوانات المسجد يقرر ما أجاب به، فقيل اعتزل عنا واصل، وسمى هو وأصحابه معتزلة (٣).

وليس من همنا الآن أن نحقق سبب تسميتهم معتزلة، لذلك نضرب صفحًا عن الأقوال المختلفة في سبب التسمية، إلا أننا نذكر أنه قد يكون الحق أن هذه التسمية لم تكن لتركهم سارية من المسجد إلى سارية أخرى، بل لاعتزالهم ما كان معروفًا حين ذاك من الآراء في المسألة التي كان فيها الخلاف، أي من حكم من ارتكب إحدى الكبائر. وهؤلاء المعتزلة يرجعون في الأصل إلى شعبتين: شعبة البصرة التي أسسها واصل هذا الذي يذكره المسعودى بأنه شيخ المعتزلة وقديمها (٤)، وشعبة الكوفة التي أسسها بشر بن المعتمر المتوفى عام ٢١٠ هـ. وهم فرق كثيرة تختلف في بعض التفاصيل والجزئيات إلا أنها كلها تجمعها أصول خمسة: التوحيد، والعدل، والوعد، والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. وليس يستحق أحد منهم اسم


(١) المواقف، طبع مصر عام ١٣٥٧، ص ٢٧٣
(٢) الشهرستانى في الملل والنحل جـ ١، ص ٥٧.
(٣) الملل والنحل ص ٦٠.
(٤) مروج الذهب طبع دار الرجاء بمصر ٤ ص ٥٤.