للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الاعتزال حتى يجمع القول بهذه الأصول (١). وقد تناول هذه الأصول بالشرح والتحليل كثير من المؤلفين، نذكر منهم الخياط المعتزلى في كتابه الانتصار، والمسعودى في مروج الذهب جـ ٣ ص ١٥٣ - ١٥٤، والشهرستانى في الملل والنحل جـ ١ ص ٥١ وما بعدها، وغير هؤلاء من المتكلمين فلا حاجة للتطويل بشرحها وتحليلها.

وتطبيقًا لأصلهم الأول، وهو التوحيد، نراهم يغلون في فهم تنزيه الله عن سمات المخلوقين فينفون صفات المعاني- من العلم والقدرة والإرادة والحياة- حذرًا من تعدد القديم، كما قضوا بنفى السمع والبصر والكلام لكونها من عوارض الأجسام (٢) وهكذا أمعنوا في هذه الناحية بنفى الصفات حتى سموا أيضًا بالمعطلة (٣)، أي الذين عطالوا الذات من صفاتها، في مقابلة الذين أثبتوها من السلف فسموا بالصفاتية.

وخير ما يمعر شرح المعتزلة لهذا الأصل- أعنى التوحيد -هو ما حكاه عنهم الأشعرى في كتابه القيم مقالات الإسلاميين (٤) من أن الله تعالى واحد ليس كمثله شيء؛ فليس بجسم ولا سورة ولا جوهر ولا عرض ولا بذى لون ولا رائحة ولا مجسة، ولا طول ولا عرض ولا عمق، ولا يتحرك ولا يسكن، وليس بذى أعضاء وأجزاء وجوارح وليس بذى جهات ولا يحيط به مكان، ولا تجوز عليه المماسة ولا تدركه الحواس، ولا يقاس بالناس ولا يشبه الخلق بوجه من الوجوه، ولا تدركه الأبصار ولا يسمع بالأسماع، إلى آخر للك الصفات السلبية كلها التي بها يسلم أصلهم الأول وهو توحيد الله في كل شيء وتنزيهه عن كل مشابهة لشئ من خلقه ماخطر منها بالبال وما لم يخطر.

وهكذا نرى رأى المعتزلة في هذه المسألة يقوم على الاستمساك بآيات التنزيه وتأويل الآيات المتشابهة تأويلًا يتفق والتنزية والتوحيد اللذين جاء بهما الإسلام. كان من هذا أن أولوا الاستواء على العرش بالاستيلاء، واليد بالقدرة أو النعمة، والعين- في قوله تعالى


(١) الانتصار لأبي الحسين الخياط المعتزل نشره الدكتور نيبرج وطبع دار الكتب عام ١٩٢٥ م ص ١٢٦
(٢) ابن خلدون ص والتفتازانى في المقاصد جـ ٢ ص ٥٤.
(٣) الملل والنحل جـ ١ ص ١١٦، والمقاصد ص ٥٤.
(٤) ص ١٥٥ - ١٥٦.