للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

"ولتصنع على عينى"- بالعلم (١)، وأن أجمعوا على أن الله لا يرى بالأبصار (٢) لاستلزام الرؤية الجهة والجسمية عندهم.

والمعتزلة بعد هذا كانوا أكثر الفرق اتصالًا بالفلسفة اليونانية وأسرعهم للإفادة منها؛ اضطرهم لذلك ما انتدبوا أنفسهم له من الحجاج عن الدين وعقائده، والرد على المخالفين من أصحاب الملل والنحل الأخرى. ولهم في هذا أعلام يشار إليهم مثل أبو الهذيل العلاف شيخهم الأكبر كما يصفه الشهرستانى (٣)، والذي عاش في القرنين الثاني والثالث من الهجرة، وتلميذه إبراهيم بن سيار النظام المتوفى عام ٢٢١ هـ الذي جعل وَكده الرد على الملحدين وبخاصة الدهريين، والجاحظ تلميذ النظام وخريجه المتوفى -كما يروى ابن خلكان- عام ٢٥٥ هـ وقد نيف على التسعين والذي كان حياته لسان المعتزلة المدافع عنها، وساعده على هذا أن حظه من الفلسفة اليونانية كان أوفر من حظ سابقيه. هذه الجهود في نصرة الدين والرد على الملاحدة هي التي جعلت أبا الحسين الخياط يقول: "وويل صاحب الكتاب- يريد ابن الروندى- من الملحدين والذب عن التوحيد لولا إبراهيم وأشباهه من علماء المسلمين، الذين شأنهم حياطة التوحيد ونصرته والذب عنه عند طعن الملحدين فيه الذين شغلوا أنفسهم بجوابات الملحدين ووضع الكتب عليهم إذ شغل أهل الدينا بلذاتها وجمع حطامها. (٤) ".

بعد هذا لا يكون الباحث مبالغًا أن قرر أن المعتزلة هم الذين خلقوا علم الكلام على هذا النحو، بنصبهم أنفسهم مدافعين عن الدين، رادين على الفرق المخالفة للحق في رأيهم من المسلمين وغير المسلمين.

في ذلك يقول الشهرستانى: "ثم طالع بعد ذلك شيوخ المعتزلة كتب الفلاسفة حين فسرت أيام المأمون فخلطت مناهجها بمناهج الكلام، وأفردتها فنًا من فنون العلم وسمتها باسم الكلام" (٥) ولا نتعرض هنا للحكم على خلقهم هذا العلم أكان شرًّا أم خيرًا، فلذلك موضع آخر غير هذا البحث المحدود.


(١) مقالات الإسلاميين ص ٥٩٥.
(٢) نفسه ص ١٥٧.
(٣) جـ ١ ص ٣٣.
(٤) الانتصار جـ ١ ص ٤.
(٥) الملل والنحل جـ ١ ص ٣٢.