٣ - ومهما يكن فقد ظهر الأشعرى في هذه الفترة، فترة تطاحن الملل والنحل والمذاهب والآراء، فأسس مذهبه الذي عرف فيما بعد بمذهب أهل السنة والجماعة من أصحاب الحديث والرأى. وحملة فرق الفقهاء، أي أهل الحق دون من عداهم من المبتدعين (١). ومؤسس هذا المذهب هو أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعرى البصري مولدًا والمتوفى عام ٣٣٠ هـ على أرجح الأقوال.
ومن الطريف ذكره هنا أن الأشعرى، وهو إمام أهل السنة، نشأ على الاعتزال وتتلمذ على أبي على الجبائى حتى صار إمام المعتزلة في عصره؛ وأن واصل بن عطاء كان -كما رأينا- في أول أمره سلفيًا تلميذًا للحسن البصري؛ من أجل هذا نرى الناس يرتابون في الأشعرى حينما ظهر بمذهبه الجديد، سواء في ذلك أصحابه الأولون المعتزلة ومن مال إليهم وهم أهل السنة، وبلغ من هذه الريبة أن كفره الحنابلة واستباحوا دمه. عنى الأشعرى بتحكيم العقل والنظر الصحيح في آراء تلك الفرق المتعارضة المتناقضة وبخاصة في آراء المعتزلة أصحابه القدامى، حتى هدى في كثير من الحالات إلى رأى وسط يعتبر الحق لدى جمهرة النظار المعتبرين. وفي ذلك يقول ابن خلدون بعد ما حكى في إيجاز آراء المشبهة والمجسمة وما كان من المعتزلة من عقائد تخالف مذهب أهل السلف، ومن هذا رأيهم في القرآن وأنه مخلوق مما كان سببًا للفتنة الدامية المعروفة أيام المأمون ومن بعده ومن رأى رأيه- يقول: وكان ذلك سببًا لانتهاض أهل السنة بالأدلة العقلية على هذه العقائد دفعًا في صدور هذه البدع، وقام بذلك الشيخ أبو الحسن الأشعرى إمام المتكلمين فتوسط بين الطرق، ونفى التشبيه، وأثبت الصفات المعنوية وقصر التنزيه على ما قصره عليه السلف وشهدت له الأدلة المخصصة لعمومه، ورد على المبتدعة في ذلك كله، وتكلم معهم فيما مهدوه لهذه البدع من القول بالصلاح والأصلح والتحسين والتقبيح، وكمل العقائد في البعثة وأحوال الجنة والنار والثواب والعقاب، وألحق بذلك
(١) التبصير في الدين للإسفرايينى ص ١٦، وابن حزم جـ ٢، ص، ١٢٢.