لناصية اللغة، وسرعان ما تبحر في الأوزان فتفوق بذلك على جميع أقرانه وأصبح شعره مثلًا يحتذيه الشعراء كافة.
وكانت المدرسة القديمة تجعل البيت من الشعر وحدة قائمة مستقلة عما سواها (وهذا هو السبب الذي جعل الأبيات، وخاصة في الغزل، غير مقيدة بالقصيدة حتى كثر نقلها) ولكن فكرت سار على نقيض ذلك فترجم عن مشاعره في مجموع من الأبيات. ومن ثم اتصفت أبياته بالمرونة والقرب من الطبيعة اللذين برئ منهما حوار حامد المنظوم. وأراد أن يكيف لغة أشعاره بحيث ينسجم جرسها مع الموضوعات التي تعالجها وهذا ما حاوله نفعى قبله ومن الجدير بالملاحظة مقدمته للقصيدة التي شاعت في التركية منذ ذلك الحين. وظل فكرت يؤثر الطول في بحوره ولم يخرج على هذا إلا في الأناشيد التي نظمها للأطفال، ولولا هذا ما أجمع أنصار المدرسة القديمة على أنه شاعر.
وكان ذكاء. فكرت ذكاء نقادة عالج به مشكلات عصره الأخلاقية والدينية والسياسية ولم يستمع في ذلك إلا لصوت قلبه وضميره. ولكنه لم يكن فيلسوفًا يستطيع أن يجد حلا لمشكلات الإنسان، ولم يكن من أصحاب ما وراء الطبيعة فينفذ في أعماق النفس. وكانت ملكاته العقلية عادية جدًّا، بل نستطيع أن نقول إنها كانت دون المتوسط. أما مصنفاه "إينا نمقٌ احتياجى" و"تأريخ قديم" فيفصحان عن الإلحاد المأثور عن عصره. ففي عهد عبد الحميد الاستبدادى الخانق، ثم في عهد تركية الفتاة الذي فشا فيه التعصب والفوضى، استطاع فكرت باستقامته واعتداده بنفسه وإخلاصه الشديد لواجبه وحماسه الفياض أن يؤدى خدمة جليلة لوطنه بالأشعار التي نظمها، مما جعل الدعوة توجه إلى شباب ذلكُ العصر:"كن في نفسك مثل فكرت، ولوطنكُ مثل نامق كمال! ". وفي كل قصيدة من قصائد فكرت درس يتعلم، ومن ثم كان له سلطان كبير في تثقيف شباب تركية، وكان يؤمن إيمانا قويا بفائدة التعليم.
وتوفيق فكرت شاعر وإن لم تكن له المكانة العظيمة التي أسبغها عليه