وكان أبو زكريا الورع أول أمراء هذه الدولة المستقلين، وتدل منشآته على أن المدينة بدأت تدخل في عهد جديد. فقد شيد عام ١٢٣٠ م خارج المدينة ناحية الجنوب الغربيّ مصلاه الحصين المعروف بـ"جامع السلطان"، وهو الذي أشار إليه ابن بطوطة في القرن التالي، ثم شرع في تعمير القصبة، وأقام في طرفها مسجدًا خاصًّا به هو مسجد الموحدين أو القصبة، ومئذنته على النمط الموحدى الخالص، والتاريخ من خارجها (انظر Houdas Mission scientif. en Tu-: and R. Basset I nicie الجزائرسنة ١٨٨٢ م، ص ٥ - ٩) وأنشا خزانة كتب قيمة بددها ابن اللحيانى أحد خلفائه واقتفى أثر المشارقة ففتح في تونس مدرسة هي مدسة الشماعية بالقرب من سوق الشماعين القديم وهو الآن سوق البلغجية، وقد رممت فيما بعد وكانت أول مدرسة فتحت في شمالي إفريقية. وأبو زكريا هذا هو الذي أجار بنات يحيى بن غانية الثلاث في القصر الذي عرف منذ ذلك بـ "قصر البنات". ثم إنه هو الذي نظم الأسواق حول المسجد الجامع مباشرة وفتح سوق العطارين، وربما كان هو الذي أنشأ كذلك سوق القماش.
وجاء بعده ابنه الخليفة المستنصر بالله فلم يقتف أثر أبيه في العناية بشئون التجارة والدين بل كان رجلًا تياهًا يميل إلى الأبهة والبذخ. فبنى قاعة لمحافله تعرف ب "قبة أسارالىُ" عام ١٢٥٣ م في قصر القصبة، وغرس حدائق للهوه في الربض المجاور له عند رأس الطابية على الطريق إلى باردو عند أبي فهر (ولايعرف موقعها على التحقيق على الرغم من قول ابن أبي دينار إنها عين البطوم " ويقول حسن عبد الوهاب إنها في الجبل الأحمر بالقرب من الأرينة وذلك في كتاب ابن فضل الله الذي نشره، ص ١٢، تعليق رقم ١) وهي التي ساق لها ابن خلدون وصفاً بديعًا. ووصل القاعة بالبساتين طريق محجوب تسير فيه النساء فلا يراهن أحد. وفي عام ٦٦٥ هـ الموافق ١٢٦٧ م أتم الخليفة تعمير جسور