العلاقات التجارية مع النصارى فأدى ذلك إلى رخاء لم يكن في الحسبان. وقد كان لبنى خراسان أنفسهم نصيب كبير في ترقية مدينة تونس وازدهارها فحصنها أحمد، وهو أعظم أمرائهم، في النصف الأول من القرن الثاني عشر وبنى الأسوار التي ذكرها الإدريسي. كما أنه هو الذي شيد "القصر"، وربما كان المسجد المعروف الآن بجامع القصر متصلا به في أول الأمر. وفي هذا الحى بالقرب من شارع بنوكريسَان- والظاهر أنه تحريف خراسان- لاتزال مقبرة بنى خراسان قائمة إلى الآن، ولعلها كانت متصلة في الأصل بمقبرة السلسلة (في موضع بيمارستان صديقى). والباب الكبير للمسجد الجامع من أيام هذه الدولة. وتحددت هيئة تونس الآن عندما قامت ضاحيتاها الكبيرتان: باب سويقة وباب الجزيرة، وهما تمتدان شمالي المدينة القديمة وجنوبيها. وأخذ شانها يعظم حتى أصبحت قصبة إفريقية. وقد ظل هذا حالها من أيام عبد المؤمن عام ٥٥٤ هـ الموافق ١١٥٩ م إلى وقتنا هذا. فاندمج تاريخها السياسي في تاريخ سلطنة تونس.
وقد أفزعت الناس غارات ابن عبد الكريم الرغراغى الفاشلة عام ٥٩٥ هـ الموافق ١١٩ م، كما شق عليهم حكم آخر المرابطين يحيى بن غانية عام ١٢٠٣ - ١٢٠٤ م العابر، فكان من نصيب الحفصيين أن يعيدوا إلى تونس أمنها وسلامتها وأن يزيدوا في منشآتها وأن يجعلوا منها قصبة جديرة باسمها. وقد شيد أبو محمد بن أبي حفص- وكان لا يزال يحكم البلاد من قبل خليفة مراكش- في حي باب السويقة (في شارع الحلفاويين) مسجدًا جامعًا، يعرف باسمه إلى الآن وإن كان هذا الاسم قد حرف بطبيعة الحال حتى أصبح "باى محمد"(١).
(١) المعروف في التاريخ الصحيح أن هذا الجامع في المائة السابعة ولم يجئ من بنى حفص من يلقب بأبى محمد إلا الحسن بن محمد الذي تولى الملك سنة ٩٣٢ وقد ورد في كتب التاريخ التونسية أن الذي سعى في تأسيسه أبو محمد عبد الله المرجانى من فضلاء تونس في دلك العصر (انظر كتاب تاريخ معالم التوحيد للمؤرخ المحقق السيد محمد بن الخوجه ص ٧٠).