في أوربا نفسها ويحول دون قيام محالفات أوربية لقلب الحالة القائمة، فلم يكره امتداد النفوذ الروسى في الدولة العثمانية على شرط أن تنال الإمبراطورية النمسوية المجرية ما يرضيها في البوسنة والهرسك. وعلى شرط قبول الحكومة الإنكليزية أن توطد أقدامها في مصر وغيرها من المناطق الشرقية التي تهمها بالذات.
ولم تصب السياسة البسماركية في السنوات الواقعة فيما بين ١٨٧٠ - ١٨٧٧ إلَّا قدرًا محدودًا من النجاح. فلم تبد بوادر تدل على أن تسوية ١٨٧١ قد أصبحت نهائية بالمعنى الصحيح أو أن فرنسا وإيطاليا أو روسيا أو النمسا والمجر أو إنكلترة مستعدة للتسليم تسليما خالصًا بالوضع البسماركى للأشياء.
ولكن عندما تشتعل الثورات في بعض ولايات الدولة العثمانية في البلقان، وتأخذ الدولة العثمانية الثائرين وغير الثائرين بما درجت عليه من ضروب الشدة الوحشية، وتغزو الدولة الروسية أراضى السلطان في أوربا وآسيا. عند ذلك وجدت الدول الأوربية أن لا بد من مواجهة حقائق الأشياء وتلمست كل منها في الشهور السابقة لصلح سان استفانو كما في الشهور التالية حلا يصون مصالحها الخاصة ويكون في الوقت نفسه أساسا لتسوية شرقية عامة - أما فرنسا فامامها هشكلتها الكبرى أمامها أن لا طمانينة حقيقية إلَّا إذا وجدت لنفسها حليفًا قويًّا، وما لم يتيسر لها ذلك فلا بد من تجنب الأزمات والابتعاد عن مواطن الزلل، فابتعدت بقدر الاستطاعة عن الأحاديث والمفاوضات المتعلقة بالمسألة الشرقية، وترددت في قبول الدعوة لمؤتمر أوربى يستعرض صلح سان استفانو ويحيل هذا الصلح من اتفاق روسى عثمانى إلى تسوية ترضاها أوربا: ثم اشترطت لقبولها ألا يبحث المؤتمر إلَّا ما اتصل مباشرة وطبيعيًا بالحرب بين الروسيا والدولة العثمانية. وفسرت هذا بألا يعرض على المؤتمر أي شأن من شئون غربي أوربا أو من شئون مصر وسورية والبقاع المقدسة [رسالة من وزير خارجية فرنسا لسفرائها في برلين ولندن وروما إلخ،