الجيل من الفرنسيين كان عليه واجبات نحو فرنسا، وأن فرنسا ينبغي ألا تنزل عن مكانها الخليق بها وأن مصلحتها في بلاد الجزائر وتأمين حدودها ورعاية مصالحها في تونس تتطلب عملًا حاسمًا في تونس وإلا سبقتها إيطاليا إليه. أي أنه كان يرى أنه ينبغي أن يأخذ أكثر ما يستطيع دون نزول أو تخل عن حقوق فرنسا التاريخية، وقد تحمل في سبيل فكرته هذه عنتًا شديدًا من مواطنيه.
والظاهر أيضًا أن فرى لقى تأييدًا في خطته من الزعيم الجمهورى الكبير جامبتا الذي أخذ في آخر أيامه يبتعد شيئًا ما من فكرة حرب انتقامية ضد ألمانيا.
وقد حملت هذه العوامل المختلفة "فرى" على أن يخفى جهد الاستطاعة حدود عمله في تونس، وأن يضيق دائرة التزامات فرنسا فيها.
دخلت الجنود الفرنسية تونس تحت ستار تامين الحدود وأرغمت الباى على توقيع معاهدة باردو (مايو ١٨٨١). وتعطى هذه المعاهدة فرنسا حق احتلال الأرض التونسية وادارة المسائل الحربية، ولكنها لا تشير إلى الحماية الفرنسية، وعلى أثر الاضطراب في صفاقس، وقع الباى اتفاقًا ثانيًا (يونيو ١٨٨٣) نالت به فرنسا حمايتها لتونس والتدخل في مسائلها الداخلية، وقد تم سنة ١٨٨٤ تكوين أدوات الإدارة اللازمة وبدأت تونس عهدًا جديدًا.
سارت فرنسا في تونس على نهج يخالف منهجها في الجزائر، ولم ينل الحياة الإسلامية في تونس ما نالها في الجزائر من التحطيم المقصود وغير المقصود، فتونس في العهد الفرنسى قطر "محمى" له إطار إدارى تونسى، على عكس الجزائر فهي "قطعة" من فرنسا، والجزائر أرض استعمار يستفلحها ألوف من الفلاحين الأوربيين فرنسيين وغير فرنسيين. أما تونس فهي أرض "استغلال" تعمل فيها "رءوس الأموال" الكبيرة فرنسية وغير فرنسية. وفي تونس ما تثيره السلالة الإيطالية المستقرة بها من مشكلات تمس العلاقات بين إيطاليا وفرنسا، ولا تعرف الجزائر مشكلات من ذلك النوع.