أكان ذلك لعدول الحكومة البريطانية عما وعدت به في ١٨٧٨؟ حقيقة أن موقف حكومة المحافظين ثم حكومة الأحرار من وعود سنة ١٨٧٨ كان له شيء من التأثير في تردد الحكومات الفرنسية المتعاقبة، إن ذلك الموقف لم يبلغ حد الإنكار أو النكوص ولكنه اتخذ شيئًا من تضييق التأويل، فقد قرر اللورد سالسبورى أنه حقيقة يذكر أنه قال الألفاظ التي أسندها له وادنجتون، ولكنه يذكر أنه لم يدر في خلده أنها تؤدى معنى عرض تونس على فرنسا، إذ كيف يستطيع منح ما ليس يملكه؟ وأضاف إلى ذلك أن الوعود الإنكليزية لا تفيد أكثر من إطلاق يد فرنسا في تونس بلا معارضة إنكليزية، أي أن انكلترة نزلت عن كل ما تدعيه لنفسها في تونس، ولكنها لا تذهب إلى حد إرغام الغير (وتقصد بذلك إيطاليا) على النزول عن إدعاءاتها.
بعث ذلك الموقف إيطاليا على اتخاذ موقف عداء صريح من فرنسا في تونس، ووجدت فرنسا أن لا بد من القيام بعمل حاسم في تونس قبل أن تسبقها إيطاليا إليه، وحمَّسها بسمارك على اتخاذ هذه الخطوة.
ولا يفيد ذلك أن الرأى العام في فرنسا - ممثلًا في البرلمان أو في الصحافة - قد مال إذ ذاك إلى صف المشروعات الاستعمارية، الواقع أن لا. بل إن ذلك الرأى العام لم ير فيها إلَّا شبه خيانة للقضية القومية الكبرى، وتشتيتا للجهود، وتسليما نهائيًا بتسوية ١٨٧١. وهل يطلب دليل على صحة هذا أقوى من كون التشجيع على الإقدام على تلك المشروعات يأتي من بسمارك نفسه؟
والواقع أنه لا الرأى العام ولا البرلمان قد عدلا عن خطتهما، والصحيح أن جانبًا قويًّا من الزعامة الجمهورية قد انحاز إلى الرأى القائل بأنه ينبغي للجمهورية ألا تبقى إلى الأبد متسربلة بثياب الحداد بل عليها أن تنهض وأن ترعى مصالحها وأن تتبوأ مكانها الجدير بها.
كان جول فرى من أبناء اللورين، ولابد أنه أحس بكارثة ١٨٧١ إحساسًا قويًّا، ولكنه كان يرى أيضًا أن ذلك