عطفه ما أسبغه على أبيه من قبل. وأقام هو أيضًا في واداى زمنًا طويلًا، إلَّا أن أحواله أخذت تسوء لسببين: أولهما أن خاله زروق كان قد لحق بعمر في واداى فعهد إليه عمر عند رحيله بالإشراف علي بنيه وأسرته في قرية أبلى فاستولى على أملاك عمر ولم يعط ولد محمد إلَّا ما يسد رمقه، والثاني أن الوحشة ازدادت بينه وبين أحمد الفأسى (انظر Voyage au Ouaday ص ٦٦ وما بعدها, ٤٩٧ وما بعدها) الذي استوزر بعد رحيل عمر بتوصية منه، فوشى به عند سابون فارتاب فيه وتجهم له. وحضر عمر إلى واداى تلبية لطلب ولده واستطاع أن يصرف أحمد الفأسى عن منصبه ولكنه استوزر ثانية بعد رحيل عمر. وأذن السلطان لمحمد بالرحيل فاستغل هذه الظروف وغادر واداى بعد أن ظل بها ثمانية عشر شهرًا، فلحق بقافلة ذاهبة إلى فزان واخترق بلاد توبو (تيبستى) حتى مرزوق عاصمة فزان. وأقام فيها ثلاثة أشهر توفى خلالها المنتصر والى هذه البلاد. ثم تابع رحلته إلى طرابلس ووصل أخيرًا إلى تونس عن طريق صفاقس حوالي عام ١٢٢٨ هـ (١٨١٣ م) وذلك بعد عشر سنوات تقريبًا من مغادرته القاهرة إلى السودان. واستقر محمد أولًا في تونس ثم رحل إلى القاهرة وفيها خدم محمد على. وفي عام ١٨٢٤ أنفذ محمد على حملة على المورة بقيادة ولده إبراهيم باشا، والتحق محمد التونسى بهذه الحملة واعظا لإحدى فرق المشاة (انظر Voyage au Darfour، ص ٦). وقد ذكر في كتابه الرحلة إلى واداى - Voyage au Oua day (ص ٦٣٤ - ٦٣٥) خبر حصار مسولونجى (١٨٢٥ - ١٨٢٦). واشتغل محمد بعد هذه الحرب بتنقيح الترجمة العربية لكتب الطب وخاصة المتصلة بعلم الأقراباذين الموجودة في كلية الطب البيطرى التي أنشأها محمد على في أبي زعبل إلى الشمال الشرقي من القاهرة. وتعرف محمد التونسى في هذه الكلية بالدكتور بيرون Dr. Perron بعد وصوله إلى القاهرة وأخذ ييرون عليه دروسًا في العربية وأغراه بكتابة مذكراته عن رحلاته في السودان، وكان غرضه الأول من ذلك أن تكون كتبًا للمطالعة العربية.