فكرة عن شئ خفى قد فارق الجسد. وهو الذى يكون الذات أكثر من الجسد. ولما بدأ الفساد يدب فى جسد الظبية، عرف حى من الغربان كيف يواريه التراب.
واكتشف "حى" النار صدفة، إذ انقدحت نار فى أجمة من احتكاك أغصانها، فأتى بقبس منها إلى مأواه وعمل على ابقائه مشتعلا. وقد جعله هذا الكشف يفكر فى أمر هذه النار وفى الحرارة الحيوانية التى أحس بها فى ألأحياء، فأخذ فى تشريح حيوانات أخرى. ولم يقف تفتنه عند هذا الحد، بل اكتسى بجلود الحيوانات وتعلم غزل الصوف والقنب وصنع الإبر، واهتدى إلى البناء بما رأى من فعل الخطاطيف، واستعان بجوارح الطير فى الصيد له، وانتفع ببيض الدواجن وصياصى البقر. إلخ. وهذا الجزء من القصة دائرة معارف شائقة للغاية مرتبة ترتيبا يشهد لمؤلفها بالبراعة والحذق.
وتطورت معارف حى بن يقظان حتى أصبحت فلسفة. فبعد أن درس النبات والمعادن وخواصها ووظائف أعضاء الحيوان أخذ يصنفها فى أجناس ابن طفيل وأنواع، فقسم الأجسام إلى خفيفة وثفيلة، وعاد إلى درس الروح الحيوانى الذى رآه فى القلب، ثم توصل إلى فكرة النفس الحيوانية والنفس النباتية، وقد بدت له الأجسام صورا تصدر عنها أفعال، فأخذ يبحث عن عناصرها الأولية حتى اهتدى إلى العناصر الأربعة.
ولما فحص فى الطين توصل إلى فكرة الهيولى وتراءت له الأجسام على أنها هيولى فى صور مختلفة. وشاهد تبخر الماء فتنبه إلى فكرة تحول الصور بعضها إلى بعض، وعرف أن كل ما يوجد لابد له من علة فاعلة. وهكذا ارتقى إلى فكرة فاعل لهذه الصور بوجه عام. وقد بحث عنه أولا فى الطبيعة ولكنه وجد أن جميع ما فيها عرضة للتحول والفساد، فاتجه بنظره حينئذ إلى الأجرام السماوية.
وانتهى حى إلى هذا النظر على "رأس أربعة أسابيع من منشئه" أى عندما بلغ ثمانية وعشرين عاما من عمره. وبدأ منذ ذلك الحين يتأمل السماء. وتساءل: أهى ممتدة إلى غير