نهاية؟ ولكنه عرف بطلان هذا الرأى فتصورها كروية. ولاحظ ضرورة وجود أفلاك خاصة بالقمر وغيره من الكواكب، وتخيل السماء حيوانا كبيرا، كما أدرك وجوب اعتبار فاعل الكل غير جسم، واعتبار محرك هذا العالم خارجا عنه إذا كان قديما. ثم أخذ يمعن النظر فى فكرة الله، فتوصل إلى استنتاج صفاته من النظر فى صفات الكائنات الطبيعية. فالله-كما بدا له- قادر عاقل عليم رحيم .. إلخ. ولما عاد إلى تأمل نفسه انتهى إلى أنها غير فانية، واستنتج من ذلك أن لذته لابد أن تكون فى مشاهدته للموجود الكامل. والوصول إلى هذه اللذة لا يتأتى إلا بمحاكاة الجواهر السماوية، أى بأن يأخذ نفسه بالرياضة والمجاهدة.
وعند ذلك انقطع حى إلى حياة كلها تأمل حتى بلغ "رأس سبعة أسابيع من منشئه" أى تسعة وأربعين عاما. وعند ذلك هبط "أسال" من جزيرة مجاورة، وهو رجل شديد الإيمان بدين منزل. وما إن تفاهم الرجلان، حى وأسال، حتى أدركا أن ذلك الدين إن هو إلا عين العقيدة الفلسفية التى انتهى إليها حى. ووجد أسال فى تلك الفسلفة التى تعلمها على هذا الرجل الناسك، تفسيرا ساميا لدينه وللأديان المنزلة بوجه عام، وتمكن أخيرا من إقناع حى باصطحابه إلى الجزيرة المجاورة ليبسط فلسفته لملكها "سلامان" الذى كان أسال وزيره وخليصه. ولكن فلسفته لم تفهم هناك رغم ما بذله من جهود ذهبت أدراج الرياح. فرجع حى وأسال إلى الجزيرة المقفرة ووهبا حياتهما للتأمل الخالص، بينما ظل الناس يعيشون بالرموز والصور الخيالية.
وهكذا تحدد هذه الأسطورة العجيبة فى وضوح موقف الفلسفة الصوفية من الدين.
وقد كلف المسلمون كلفا شديدا بهذه القصة، ونقلت إلى لغات عدة، كما نقلها
إلى العبرية وشرحها موسى النَّرْبُونى عام ١٣٤٩، وقد امتدحها الفيلسوف
ليبنتز، وكان قد قرأ طبعة يوكوك Pococke لهذه القصة.