للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويحكى الذين عنوا بأصحاب المقالات من أرباب الملل والنحل أن أرباب هذه النحلة كانوا في الأصل مجوسًا وثنوية، ثم تستروا بالإسلام ليميلوا بالأغمار والضعفة عن دينهم الذي ارتضى الله لهم، ومهدوا لهذا بتأويل نصوص الدين وشرائعه لتضعف الثقة به ويسهل التحول عنه، وإن كانوا في باطن الأمر ينكرون الرسل والشرائع كلها. وقد ظهروا بدعوتهم في صدر الدولة العباسية، وكان من دعاتها الأولين ميمون بن ديصان الذي عرف بالقَدّاح، وكان - على ما يروون - مجوسيًا من سبى الأهواز، وحمدان قرمط وكان من الصابئة الحرانية (١):

وفي الحق، أن الصلة بين الباطنية والثنوية وثيقة العرى؛ هؤلاء يرجعون العالم إلى مبدأين قديمين، هما إله الخير وإله الشر أو النور والظلمة أو يزدان وأهرمن؟ وأولئك يذهبون إلى أن الله خلق النفس، فصار هو الأول وهي الثاني، وإليهما معًا يرجع خلق هذا العالم وتدبيره؛ أي أن كلا من هاتين الطائفتين الضالتين قال بصانعين قديمين وكل ما بينهما من اختلاف هو في التسمية والتعبير فحسب (٢).

(ز) بقى من هذه الفرق التي قالت بالاثنين والتي أردنا تجليتها، الفرقة الحائطية التي تنسب إلى زعيمها أحمد بن حائط -أو ابن خابط على الخلاف في تسمية أبيه - الذي مات في عهد الواثق بالله العباس، وقد كان اعتزم قتله لما تبين له إلحاده.

كان رأس هذه الفرقة معتزليًا, ثم ضل ضلالًا بعيدًا خرج به عن الإسلام؛ فقال بخالقين: أحدهما قديم وهو الله، والآخر مخلوق وهو كلمته أي عيسى ابن الله بالتبنى لا بالولادة. ومن العجب الداعى إلى السخرية أنه جعل لهذا المخلوق - وهو الأصل الثاني الحادث في رأيه - خلق العالم وحساب الناس يوم الدين، أي أنه جعله مخلوقًا وخالقًا


(١) الفرق بين الفرق: ٢٦٦ وما بعدها, وأصول الدين: ٣٢٣.
(٢) الفرق بين الفرق ص ٢٦٩٩ - ٢٧٠، والتبصير للإسفرايينى طبع مصر بتحقيق الشيخ الكوثرى ص ٨٥.